دفع الإشكال عن الحديث الوارد في تفسير: (يوم يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[24 Feb 2004, 02:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا بحث أقدمه بين يدي القراء، عملت فيه على دفع الإشكال عن الحديث الوارد في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} أسأل الله الكريم أن ينفع به من كتبه وقرأه.
والبحث مكون من خمسة مباحث:
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة.
المبحث الثاني: ذكر الحديث المشكل الوارد في تفسير الآية.
المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث.
المبحث الرابع: ذكر مذاهب العلماء تجاه الإشكال الوارد في الحديث.
المبحث الخامس: الترجيح.
===========================================
المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:
قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [الأنعام: 158]
المبحث الثاني: ذكر الحديث المشكل الوارد في تفسير الآية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ». (1)
المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث:
ظاهر الحديث أن الدجال من الآيات التي إذا خرجت لا ينفع بعدها الإيمان، وقد وردت أحاديث أُخر تفيد بأن خروج عيسى عليه السلام يعقب الدجال؛ فعن مُجَمِّعَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ». (2)
وقد استُشكِل بأنه لو كان كذلك لم ينفع الكفار إيمانهم، ولا الفساق توبتهم، عند نزول عيسى عليه السلام؛ لأن باب التوبة قد أغلق في زمن الدجال.
وقد جاء النص صريحاً (3) بأن الإيمان ينفع في زمن عيسى عليه السلام، وإلا لما صار الدين واحداً، ولا كان في نزوله كبير فائدة. (4)
المبحث الرابع: ذكر مذاهب العلماء تجاه الإشكال الوارد في الحديث:
مذهب عامة المفسرين أن المراد بـ «البعض» في الآية، هو: طلوع الشمس من مغربها. (5)
ورُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «التوبة معروضة على ابن آدم إن قَبِلَهَا مالم تخرج إحدى ثلاث: مالم تطلع الشمس من مغربها، أو الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج». (6)
وهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه لا يصح، وقد رُوي عنه من عدة طرق أنه فسر الآية بطلوع الشمس من مغربها دون ذكر الدابة، أو يأجوج ومأجوج. (7)
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه والذي فيه ذكر الثلاث؛ فقد قال بعض أهل العلم إن التوبة تنقطع بخروج إحدى هذه الثلاث.
قال ابن هبيرة: «حكم هاتين الآيتين (يعني الدابة، والدجال) في أن نفساً لا ينفعها إيمانها، الحكم في طلوع الشمس من مغربها». (8)
وقال المناوي: «كلٌ من الثلاثة مستبد في أن الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها؛ فأيها تقدمت ترتب عليها عدم النفع». (9)
لكن مذهب عامة أهل العلم أن التوبة لا تنقطع إلا بطلوع الشمس من مغربها.
وقد استشكل جمع من العلماء حديث أبي هريرة؛ لأمرين:
الأول: أن فيه ذكر الدجال، وقد تقدم بيان وجه الإشكال في ذلك.
الثاني: أن النصوص متظافرة على تفسير الآية بطلوع الشمس من مغربها، دون ذكر الدجال، أو الدابة. (10)
وقد تباينت آراؤهم في الجواب عن ذلك، وحاصلها راجع إلى مذهبين:
الأول: مذهب الجمع بين الأحاديث:
فقد ذهب الجمهور من العلماء إلى الجمع بين حديث أبي هريرة، وبقية الأحاديث التي اقتصرت على تفسير الآية بطلوع الشمس من مغربها، لكن اختلفوا في الجمع على أقوال:
¥