[دراسة نقدية لأثر عثمان رضي الله عنه في سبب سقوط البسملة من أول براءة]
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[13 Nov 2003, 12:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيتفق المختصون في الدراسات القرآنية، أن كثيرا من المسائل المتصلة بالتفسير وعلوم القرآن، تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتمحيص، بل إني أجزم أن بعض المسائل التي اكتسبت صفة الاستقرار والقبول، بل والتسليم أحيانا في الدراسات القرآنية، هي محل نظر، وبين يدي مسألة لها تعلق بالتفسير وعلوم القرآن، وهي مسألة إسقاط البسملة من أول سورة براءة، وهي من المسائل المشهورة، استغني بشهرتها عن إطالة الكلام بذكرها، وإنما اكتفي بالرواية المشهورة التي رواها أهل السنن وغيرهم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في سبب سقوطها، قال ابن عباس رضي الله عنه قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى البراءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم) وفي لفظ: (وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم)
وسيكون النظر في هذا الأثر من جهتين:
- الأولى: من جهة الإسناد.
- والثانية: من جهة المتن.
الجهة الأولى: من جهة الإسناد.
فهذا الأثر أخرجه ابن حبان والحاكم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي وأحمد والطبراني في الأوسط والطحاوي وابن جرير، ـ وفي الحق ـ فإن هذا الجانب من المسألة قد بسط أهل العلم من أئمة الحديث البحث فيه، فحصروا طرق الأثر ونقدوها وبينوا درجتها، وملخص كلامهم في سند هذا الأثر، أن مداره على يزيد الفارسي، وهذا الرجل قد اختلف فيه أهل العلم: هل هو ابن هرمز، أو غيره، فإن كان ابن هرمز ـ كما ذهب الإمام أحمد وابن مهدي ـ فهو ثقة، ومن الأئمة من فرق بينهما كالقطان وابن معين وغيرهما، وحكم بجهالة الفارسي، ومنهم من فرق بينما غير أنه حسن حديث الفارسي كما فعل أبو حاتم الرازي.
والأثر قد حكم ابن حبان والحاكم بصحته، وحسنة الترمذي وابن حجر، وممن صححه من المعاصرين الشيخ عبد الله الجديع في كتابه مقدمات أساسية، وانتصر له بقوة وأطال فيه، وذلك في بحثه في ترتيب الآيات والسور، وممن ضعفه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر والشيخ شعيب الأرناؤوط والشيخ الألباني ومحققوا المسند رحم الله الجميع.
ـ وفي الحق ـ فإني لم أجد ـ في ضوء ما وقفت عليه ـ عند المصححين لإسناده أو أولئك المضعفين له، ما يقوي قولهم ويسند رأيهم، ولذا أقف معهم ـ في هذا الجانب ـ حيث وقفوا، لأني لم أجد ما يرجح كلام أولئك أو أولئك.
الجهة الثانية: النظر في هذا الأثر من جهة متنه.
وهنا ـ مع الأسف ـ لا نجد البحث يأخذ العمق والقوة، كما رأينا في كلام أهل العلم المتعلق بإسناد الأثر، وأشير هنا إلى أنني كلفت عددا من الطلاب في الجامعة بدراسة سند الأثر ومتنه، فاقتصر كلامهم على ناحية الإسناد، لأن كلام أهل العلم توقف عند هذا القدر، ولذا فأنني أطرح هذا المسألة عليكم بارك الله فيكم، لنتدارس المسألة ولا سيما من ناحية المتن، فقد ظهر لي أن في المتن نكارة، توجب الحكم بضعفه، وغير خاف أن العلة والشذوذ ـ التي اشترط أهل العلم سلامة الأثر منها حتى يحكم بقبوله ويحتج به ـ لا تقتصر على السند، بل للمتن نصيب فيها، ولأهل العلم من أئمة الجرح والتعديل باع طويل في هذا، فرحمهم الله وأجزل لهم المثوبة
إن المتأمل في متن هذا الأثر سيلحظ أمرين مشكلين، فيهما دلالة على نكارته، مما يقوي القول بضعفه:
¥