تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإمام الطَّبري ومنهجه العلمي في التفسير ـــ د. فتحي الدريني

ـ[أبو حاتم]ــــــــ[12 Feb 2004, 02:48 م]ـ

المرجع: مجلة التراث العربي. العدد: (13 و 14)

مقدمة:

من أجلِّ مقومات تراثنا التالد، موسوعة تفسير القرآن العظيم، للإمام "محمد بن جرير الطبري" (1) التي تقع في ثلاثين جزءاً من القطع الكبير، بعنوان: "جامع البيان عن تأويل أي القرآن" (2).

هذا، ويحمل على الظن – بادئ الرأي – أنه في جملته، نوع من التفسير بالمأثور المحضّ، بما يبدو لمطالع هذا التفسير الجليل، من ظاهرة كثرة الروايات التي يستند إليها الإمام، مصدراً علمياً تقوم به الحجة، في معرض تفسيره، وإظهاره لمعاني التنزيل، والإفصاح عن حقائقه، إنَّ في تحقيق مدلول اللفظ المفرد، أو تحديد ما يصل بين أجزاء النظم القرآني من علاقات، وما ينبغي أن يتم بينها وبين المعنى العام المراد من الآية الكريمة كمَلا من الاتساق، أقول، إن ما يحمل على الظن – بما يبدو من ظاهرة كثرة الروايات – من أن تفسير الإمام الطبري لا يعدو أن يكون من التفسير بالمأثور، هو ما قرره فريق من المُحدثين وبعض المستشرقين في دائرة المعارف الإسلامية (3)، ومن قبلهم العلامة ابن خلدون (4) حتى عَدَّ الإمام الطبري من مدوني التفسير بالمأثور، وهذا النظر – في اعتقادنا – مُبتَسر لا يعدو هذه الظاهرة إلى ما وراءها من "المنهج العلمي" الذي التزمه الإمام في تفسيره، استناداً إلى قواعد محررة، فرضتها طبيعة النظم القرآني نفسه، وخصائصه في البيان، فضلاً عمَّا اقتضته ظروف تنزيله، خلال ثلاثة وعشرين عاماً تقريباً، مما يطلق عليه "أسباب النزول" بما يساعد على تحديد "الأوضاع" التي كانت مناسبات ودواعي لنزول ما يتعلق بها من تشريعات بدلتها، أو أزالت معالمها، باعتبارها معالم جاهلية فاسدة، مما يمكن معه الوقوف على اتجاهات التشريع الجديد، وغاياته من الإصلاح الاجتماعي، وتحقيق الخير الإنساني العام، على ما سيأتي بحثه مفصلاً، وهو ما اضطلع به الإمام الطبري، الأمر الذي لا يصح معه القول، بأنه من "مدونيّ التفسير بالمأثور" الذين أخلصوا أنفسهم له، مما يستلزم إمِّحاء "الشخصية العلمية" للإمام، إذ غدا – على أساس هذا الظن الواهم – مجرّد ناقل، وجامع، ثم مدون لهذه النقول، وهو ما ينقضه واقع صنيع الإمام في تصرفاته في وجوه المعارف التفسيرية المأثورة، من السنة، متناً وسنداً، أو في "مواقفه" من الآراء الاجتهادية المأثورة عن علماء الصحابة، ومن تتلمذ لهم من أئمة التابعين (5) وعلماء الأمة من بعدهم (6).

هذا، وبإمعان النظر فيما يعرض الإمام من "كثرة الروايات" يُرى أنه إنما يقصد من وراء ذلك إلى "استقصاء" ما ورد في مدلول اللفظ المفرد، أو الجملة، أو الآية الكريمة، من معان متحدة، أو متغايرة –توقيفية كانت أو لغوية- أو ما صدر عن أئمة التفسير الثقات من آراء هي ثمرة الاجتهاد بالرأي، أقول: إنما يفعل الإمام ذلك، جمعاً واستقصاء، وتدويناً –فيما نرى- بغية نقدها، وتمحيصها، وترجيح ما هو أقوى دليلاً، أو رفضها جملة، إذا لم تعتمد أصلاً شرعياً ثابتاً، ثم تراه يقيم الدليل على ما يذهب إليه، ويرجحه، أو يرفضه، جازماً غير متردد، حتى لم يسلم من نقده الثقات من تلاميذ ابن عباس، من مثل "مجاهد" (7) من التابعين المشهود لهم بالإمامة في التفسير، ومن أولي الرأي فيه.

هذا، والواقع، أنه لا يمكن على المنهج المتخذ في بحث مادة ما، ووزنه علمياً، ومنطقياً، إلا من خلال طبيعة تلك المادة، وخصائصها التي تفرضها على الباحث، ولعل من أبرز خصائص النص القرآني، أنه يخاطب النفس الإنسانية، حيثما وجدت، تجد هذا بيناً في ظواهر نصوصه، وفيما حدده الأصوليون من مدلول الحكم الشرعيّ الذي تعبر عنه النداءات الإلهية – فيما تعبر عنه من تعاليم، ومبادئ عامة، وتوجيهات، وتكاليف- نصاً أو دلالة، من أنه: "خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين (8) مما يدل على أن القرآن الكريم، قد أولى الجانب العملي للحياة الإنسانية عناية "بالغة"، واتخذ من الأصول العامة التشريعية – فضلاً عن العقائد والعبادات والآداب- ما يرقى بالجانب الروحي أيضاً، تحقيقاً للتوازن بينهما، وتوجيهاً إلى الغاية المثلى من الوجود الإنساني على وجه هذه الأرض، مما ينبغي أن يُعتدَّ به أصلاً جوهرياً في المنهج العلمي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير