[شيخ المفسرين: ابن جرير الطبري (1)]
ـ[الشجاع]ــــــــ[22 Jan 2004, 07:38 م]ـ
[شيخ المفسرين: ابن جرير الطبري (1)]
أن يكون الرجل ذا همة فهذا أمر مطلوب، وأن يبزغ نجمه في فن من العلوم فهذا أمر محمود، ولكن ما بالك لو كان صاحب هذه الترجمة ذا همة عالية، فبزغ نجمه في التفسير فكان مفسرًا بارعًا، وبزغ له نجم في التاريخ فكان مرجعًا، ولم يلبث أن بزغ له نجم ثالث في الفقه فكان إمامًا يقتدى به، فهو إمام من الأئمة ومجتهد من أهل الاجتهاد وصاحب مذهب مطلق، وإن كان لم يكتب لمذهبه البقاء، كل من كتب
في التفسير يعولون عليه، وكل من كتب في التاريخ يرجعون إليه، فهو بحق يعد أبًا للتاريخ، كما أنه أب للتفسير، إنه الإمام المفسر الفقيه المؤرخ ابن جرير الطبري.
التعريف بابن جرير الطبري:
هو أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، الإمام الجليل، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف المشهورة، وهو من أهل آمل طبرستان، ولد بها سنة 224هـ أربع وعشرين ومائتين من الهجرة، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، سنة ست وثلاثين ومائتين، وطوّف في الأقاليم، فسمع بمصر والشام والعراق، ثم ألقى عصاه واستقر ببغداد، وبقى بها إلى أن مات سنة عشر وثلاثمائة.
مبلغه من العلم والعدالة:
كان ابن جرير أحد الأئمة الأعلام، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظًا لكتاب الله، بصيرًا بالقرآن، عارفًا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم .. هذا هو ابن جرير في نظر الخطيب البغدادي، وهي شهادة عالم خبير بأحوال الرجال، وذكر أن أبا العباس بن سريج كان يقول: محمد بن جرير فقيه عالم، وهذه الشهادة جد صادقة؛ فإن الرجل برع في علوم كثيرة، منها: علم القراءات، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وقد صنف في علوم كثيرة وأبدع التأليف وأجاد فيما صنف.
مصنفاته:
كتاب التفسير، وكتاب التاريخ المعروف بتاريخ الأمم والملوك، وكتاب القراءات، والعدد والتنزيل، وكتاب اختلاف العلماء، وتاريخ الرجال من الصحابة والتابعين، وكتاب أحكام شرائع الإسلام، وكتاب التبصر في أصول الدين … وغير هذا كثير.
ولكن هذه الكتب قد اختفى معظمها من زمن بعيد، ولم يحظ منها بالبقاء إلى يومنا هذا وبالشهرة الواسعة، سوى كتاب التفسير، وكتاب التاريخ.
وقد اعتبر الطبري أبا للتفسير، كما اعتبر أبا للتاريخ الإسلامي، وذلك بالنظر لما في هذين الكتابين من الناحية العلمية العالية، ويقول ابن خلكان: إنه كان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدًا، ونقل: أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي ذكره في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين، قالوا: وله مذهب معروف، وأصحاب ينتحلون مذهبه، يقال لهم الجريرية، ولكن هذا المذهب الذي أسسه ـ على ما يظهر ـ بعد بحث طويل، ووجد له أتباعًا من الناس، لم يستطع البقاء إلى يومنا هذا كغيره من مذاهب المسلمين؛ ويظهر أن ابن جرير كان قبل أن يبلغ هذه الدرجة من الاجتهاد متمذهبًا بمذهب الشافعي، يدلنا على ذلك ما جاء في الطبقات الكبرى لابن السبكي، من أن ابن جرير قال: أظهرت فقه الشافعي، وأفتيت به ببغداد عشر سنين.
علو همته:
كان رحمه الله عالي الهمة متوقد العزم ـ قال: عند تفسيره للقرآن: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا هذا ما يفني الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.
اتهامه بالوضع للروافض:
وقد اتُهِمَ رحمه الله بأنه كان يضع للروافض، وهذا رجم بالظن الكاذب، ولعله أشبه على صاحب هذا القول ابن جرير آخر، وهو محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي.
وفاته:
¥