وروينا عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه لما نظم قوله: مجاز حقيقتها فاعبروا ولا تعمروا هونوهاتهن وما حسن بيت له زخرف تراه إذا زلزلت لم يكن خشي أن يكون ارتكب حراماً لاستعماله هذه الألفاظ القرآنية في الشعر فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد يسأله عن ذلك فأنشده إياهما فقال له: قل وما حسن كهف فقال: يا سيدي أفدتني وأفتيتني خاتمة قال الزركشي في البرهان: لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري قوله فأدخلني بيناً أخرج من التابوت وأوهي من بيت العنكبوت وأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام لكن استشكل هذا بقوله تعالى إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بما دون البعوضة فقال لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة.
قلت: قد قال قوم في الآية إن معنى فما فوقها في الخسة وعبر بعضهم عن هذا بقوله: فما دونها فزال الإشكال.
* نماذج الاقتباس المحرّم اتفاقاً:
الأنموذج القذر الذي يقول:
" أنت الآن قاب شفتين، أو أدنى، من الحب، فهزي إليك بجذع اللحظة وصلي لنا ... صلي وتناسلي وتساقطي عشقًا شهيًا".
وقد سمعت بعض المعاصرين يقول واصفاً بعض طواغيت الكفر – على سبيل الهزْءِ به- (والسخريةُ باديةٌ في قولهِ):
ويزجي الصواعقَ في كلِّ أرضٍ
ويحشو المنايا بحبِّ الحصيدْ
ويفعلُ في خلقهِ مايريدْ ... !
قال صالح عبد القدوس وهو من مات بتهمة الزندقة:
فلو أن المفرِّط كانَ حيًا توفى الباقيات الصالحات
وقال خبيث مارق آخر:
أوحى إلى عشاقه طرفُهُ هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه لمثل ذا فليعمل العاملون
وساقط هالكٌ (وهو يأتي بأواخر سورة الشمس كما ترى) قال:
قسما بشمس جبينه وضحاها ونهار مبسمه إذا جلاها
وبنار خديه المشعشع نورها وبليل صدغيه إذا يغشاها
لقد ادعيت دعاويا في حبه صدقت وأفلح من بذا زكاها
فنفوس عذالي عليه وعذري قد ألهمت بفجورها تقواها
فالعذر أسعدها مقيم دليله والعذل منبعث له أشقاها
* شروط الاقتباس لمن اشترط:
1 - الفواصل: ولو كانت باستخدام علامات الترقيم كالتنصيص وغيره , مما يدلل على فصل مابين قول الشاعر وما ضمَّنه إياه من نص القرآن الكريم.
2 - مراعاة الاحترام والتقدير والتبجيل لكلام الله: وعدم إقحام النص في موضعٍ ينزّه عنه (الذكر الحكيم) أما إذا كان السياق لا يحتمله كالسياق الهزلي فإن هذا مما لا يجوز نظماً ولا نثرا.
3 - عدم التكلف و الإسراف: وذلك بليِّ أعناق النصوص القرآنية ليعبر بها عن معنى من المعاني كالذي ينقل عن المرأة التي كانت لا تتحدث –في زعمهم- إلا بالقرآن فإن هذا من التكلف، وهو أشبه بالعبث –عياذاً بالله-.
4 - عدم الزيادة في التضمين عن كلمتين: وهذا ماذكره بعضهم وأنه لم يأتي في شعر الشعراء على مدَّ التاريخ المتطاول أكثرُ من ذلك في البيت إلا من فعل بعض المرَدة من حداثييِّ زماننا البائس , وإلى الله المشتكى.
5 - استدعاء الضرورة الفنية للاقتباس: فلا يتجاوزها بأن يصبح ديدنا , وطريقاً مسلوكاً للشاعر فيما يكتبه في كل حين.
6 - أن يقصى الاقتباس إطلاقا فيما اطلقه الله على نفسه سبحانه:فلا يستخدم على غير ما نزل فيه , كما نُقل عن أحد ولاة بني مروان أنه رُفعت إليه شكاية من بعض عماله فوقَّع عليها "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" (سورة الغاشية).
* مراجع الموضوع:
1 - «الاقتباس من القرآن الكريم» لأبي منصور الثعالبي.
2 - الإتقان في علوم القرآن. السيوطي
3 - ضوابط الاقتباس من القرآن الكريم فى الأعمال الأدبية للدكتور أحمد سعد الخطيب
4 - الاقتباس من القرآن في الكلام. د. رشيد بن حسن الألمعي (إجابة سؤال)
5 - الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر والنثر وما جرى مجراه للدكتور: نايف بن قبلان العتيبي.
6 - رسالة للدكتور عبدالمحسن العسكر.
7 - الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي.عبد الهادي الفكيكي (تقديم: ناجي علوش)
ـ[عادل التركي]ــــــــ[29 Jul 2004, 10:32 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم ليتك لم تفسد جمال الموضوع بذكر الأمثلة المحرمة للإقتباس.
فمن يريد أن يطلع على أمثلة لذلك فلديه كتب العلماء مفصلة مبين حكمها.
أما المقام هنا فالكل يطلع عليه وقد يرددها البعض استهانة بخطورتها وعدم استشعار لحرمتها.
أو ليتك على أقل الأحوال اكتفيت بمثال واحد ليس فيه من الإنحراف والزندقة ما في غيره ليصل المطلوب دون اسهاب فيه.
وأخيرا اشكرك على هذا الطرح المميز والأسلوب الجميل , والأمانة العلمية في ذكر المصادر
وجزاك الله خيرا
ـ[حرف]ــــــــ[29 Jul 2004, 06:20 م]ـ
ماوضعته أعلاه ليس لي فيه إلا الترتيب والتهذيب (تلفيقاً) لبعض مشاركات الأخوة في المنتدى سابقاً ولاحقاً أ, أضفتُ إليه بعض النماذج التي رأيت أنها تقرب المقصود للقارئ , فأرجو أن لا أكون قد أخطأت في ذلك , ولك الشكر على ثناءك ... والسلام.