3 - في البداية والختام كان اسمه (غفار) خبراً لـ[إنّ] مما يشير إلى أن التوكيد هدف في البدء والختام.
4 - في البداية قيل (وإني لغفار) فهو تعريف من الله لعباده، وبعد رحلة القرآن الكريم، سئلوا كيف وجدتموه فقالوا (إنه كان غفاراً) 0
دلالة اسمه (غفار) بين سورتي (طه) و (نوح)
ما دام اسمه (غفار) قد ورد في هاتين السورتين، فإن قواعد البيان توجب النظر في الموضعين معاً، لكشف ما بينهما من صلات القرب الذي كان من آثاره اصطفاء هذا الاسم (غفار) بهذه الخصائص:
وهذه بعض معالم القرب بين سورتي طه ونوح.
أولاً: [سورة طه تبدأ وتختم خطاباً للرسول e، ببيان وظيفته، وحدود تكاليفه ... وأمر الخلق بعد ذلك إلى الله تعالي]
وفي سورة نوح بيان أيضاً لوظيفة نوح عليه السلام (أنذر قومك) (قال رب إني دعوت قومي).
وحدود تكاليفه (دعوتهم لتغفر لهم)، ومع ذلك لم يؤمن منهم إلا القليل؛ لأن أمر الخلق إلي الله تعالي.
ثانياً: في سورة طه قيل لرسول الله e ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى).
وفي سورة نوح بيان لصورة هذا الشقاء حيث ظل نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل.
ثالثاً: في عاقبة قوم نوح قيل: (أغرقوا فأدخلوا ناراً)
وفي عاقبة فرعون و قومه قيل: (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم)
رابعاً: تلاقى كثير من عناصر السياق في السورتين وذلك نحو:
1 - أن الاسم الكريم (غفار) جاء في معرض التذكير بالنعم في السورتين ففي طه قيل (يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى .. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:80:82)
وفي نوح قيل: (إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً .. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً .... ) (نوح:9: 11)
.... وكل ذلك عد للنعم .....
2 - أن الاسم الكريم ذكر في معرض الرزق المنزل من السماء وأكل الحلال ففي طه قيل (ونزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ... وفي نوح قيل: (يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين .. الخ
3 - في نوح قيل: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً .. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) (نوح:17: 18) وفي طه قيل: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طه:55)
4 - في نوح قيل: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطاً .. لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) (نوح19: 20) وفي طه قيل: (الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً .... )
وهكذا يتلاقى السياقان مما يشعر بشدة القرب فإذا أضفنا إلى هذا التلاقي ما في الجملة والاسم موضوع البحث لوجدنا زخماً من التشابه بين السورتين0
لكن هذا الزخم يضع البحث أمام سؤال، وهو: متى يأتي اسمه (غفار)،وفي أي المقامات يكون؟
ومن خلال ما سبق أستطيع أن أقول أن هذا الاسم بهذه الصيغة ودون (أل) يأتي في قضية الرزق وما يحيط بها من لغط وشوائب في حياة الناس، فالسعي على الرزق – ولا شك – لا يسلم من شبهة، ولا ينأى كلية عن شائبة فناسب ذلك مجيء هذا الاسم الخالي من أل، القريب من والوصف منه إلى الذات، وهذا ما أكده ابن الجوز في زاد المسير حيث قال:
[الغفار: الذي يغفر ذنوب عباده مره بعد أخرى، فكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته غفراً لأنه يستر .... فالغفار: الستار لذنوب عباده المسبل عليهم ثوب عطفه.]
وهذا ما يؤكده ورود هذا الاسم في سورتي طه ونوح ملتصقاً بالرزق كما سبق.
وإلى تحليل كل موقع على حدة:
موقع سورة طه:
قال الله تعالي (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82)
وهذه الآية جاءت في ختام مشهد النصر – على فرعون وقومه – بغرقهم في اليم ونجاة موسى وبني إسرائيل، في معجزة باهرة رآها الجميع.
¥