تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دلالة اسمه (غفار) في سورة نوح

يقول الله تعالى في سورة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح:10)

[والسورة كلها تقص قصة – نوح – عليه السلام مع قومه ... وتعرض صورة من صور الجهد المضني، والعناء المرهق، والصبر الجميل، والإصرار الكريم من جانب الرسل – صلوات الله عليهم – لهداية هذه البشرية الضالة العنيدة العصيبة الجامحة ....

إنها ترسم تلك الصورة التي يعرضها نوح – عليه السلام – على ربه وهو يقدم له حسابه الأخير بعد ألف سنة إلا خمسين عاماً قضاها في هذا الجهد المضني .... ]

والنظر في الآيات الأولى يلحظ فيها الإلحاح في الدعوة، حتى إن مادة (دعا) ذكرت قبل هذه الآية أربع مرات ..... وهي:

(قال ربي إني دعوت قومي .... )

(فلم يزدهم دعائي إلا فراراً .... )

(وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ... )

(ثم إني دعوتهم جهاراً .... )

كل ذلك ولم يبين إلى أي شيء دعا، في حين أن المطلوب منه في أول السورة هو (أنذر قومك).

إذن جميع هذه الدعوات إنذار ولكن كيف كان هذا الإنذار وماذا قال فيه؟

هذا ما تشير إليه الآية التي ورد فيها الاسم محل البحث وهي: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً)

إذن الدعوة التي ألح عليها نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً والتي أمر بها هي:

(استغفروا ربكم).

فالقصد من كل ذلك هو مغفرة هذه الذنوب، وسترها حتى في بداية السورة حين قال: (إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) كان الجزاء ((يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى)

هكذا فقط 00، فلا مجال هنا للحديث إلا عن المغفرة. فقيل (إنه كان غفاراً) فكأن ملخص الدعوة التي ألح عليها سيدنا نوح _ عليه السلام – هي (استغفروا ربكم) والمعروف أن الاستغفار يكون لمن أسلم وآمن، وهؤلاء مازالوا على شركهم وعنادهم. مما يعني أن قوله (استغفروا ربكم) هنا يقصد بها ما قاله في البداية

(اعبدوا الله، وأطيعون) وهذا يعني أن نوح عليه السلام – حين دعا إلي الإسلام دعا إلى المغفرة، ودعا إلى الغفار – وذلك من التناسب العجيب، لأن القوم طالت أعمارهم، وكثرت ذنوبهم، وطول العمر وكثرة الذنوب تستدعي أول ما تستدعي غفران هذه الذنوب. ومن هنا كانت الدعوة ليلاً ونهاراً، وجهراً وإسراراً، إلى المغفرة فهي شاغلهم كما أنها شاغل سيدنا نوح عليه السلام.

ولما كان اسمه (غفاراً) يعني أنه يغفر كثيراً ويغفر مرة بعد مرة، وكلما أذنب العبد كان الرب غفاراً، جيء بهذا الاسم هنا، بل واقتصر عليه حتى لا ينشغلوا بغيره، ومن هنا كان التناغم بين اسمه (غفاراً) وقوم نوح عليه السلام والكثرة التي أتحدث عنها تملأ جوانب السورة.

- بداية بالكثرة الكامنة من اسمه (غفاراً) من حيث صيغة الكلمة، وكذلك من حيث ختمها بالراء وهو حرف من صفاته التكرار، وكذلك من حيث حركة الفتحة وهي حركة له من اسمها نصيب لأنها (حركة خفيفة إذا خرج بعضها خرج سائرها فلا تقبل التبعيض)كل ذلك ناسب هذه الكثرة في الدعوة كما قلت حيث قيل: (دعوت، دعائي، دعوتهم، دعوتهم).

-وهناك كثرة من نوع آخر وهي كثرة في كيفية الدعوة حيث قيل:

(أعلنت وأسررت) وفي وقت الدعوة (ليلاً ونهاراً).

-وكثرة في كلمات الدعوة حيث قيل: (استغفروا ربكم، ما لكم لا ترجون لله وقاراً، ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ..... )

ولذلك جاء في سورة هود (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)) هود 32

-ثم كان الرد كثيرا أيضاً، حيث قال: (رب إنهم عصوني، ومكروا مكراً كباراً، وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيراً .... )

هكذا بهذا الرد الذي يشبه السيل الجارف، فكان التناسب واضحاً بين الكثرة في كل جوانب الصورة

حتى في ترغيبهم بالرزق 00 فلقد جاء وافراً كثيراً (يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً).

ولأجل كل ذلك كان اسمه [غفاراً] هو الأليق بالسياق ولم يقترن باسم آخر ,لأن السياق في شأن الكفار المعاندين ,ودعوه هؤلاء تحتاج إلي التأكيد علي المغفرة لما سبق , كما اشترط عمرو بن العاص عند إسلامه أن يغفر له ما قد سبق.

لأن ذلك شغلهم الشاغل، فرغبوا فيه، كما رغبوا بمتع الدنيا من مال وبنين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير