تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغير ذلك كثير، فذكر يوم الحساب واستعمال ألفاظ ذات رحم موصولة بهذا اليوم يجعل من السورة كلها تذكيرا بيوم الحساب، يوم المآب، حتى أن مادة [الأوب والإنابة] تكررت في السورة تسع مرات، فهي الكلمة الأم التي عليها دوران السورة وارتكازها. وتظل السورة تذكر بيوم الحساب حتى تقول في النهاية

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (صّ:88)

ولا شك أن هذا السياق يجذب اسمه (الغفار) إلى عالم الإنذار فالسورة كلها إنذار حتى قيل في بدايتها ((قل إنما أنا منذر)) لأن المقام في شأن الرد على من أنكر وحدانية الله تعالى (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)

ثم رد على من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا:

(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) (صّ:8)

بل وإنكار يوم الحساب حيث قالوا مستهزئين:

(وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) (صّ:16)

في ظل هذا السياق والمقام وفي ظل صحبة هذه الأسماء (الله الواحد القهار العزيز) يأتي اسمه [الغفار]،ليّذكر هؤلاء بأن المغفرة لن تكون لهم، يأتي اسمه الغفار للإبلاغ في كيدهم والنكاية والتوبيخ لهم، وبأنهم محرمون يوم الحساب من هذا الاسم الكريم.


ويظل السياق ممتداً من سورة ص إلى سورة الزمر ..
فالكل (يجري لأجل مسمى .... ) الزمر 5
(ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم) الزمر 7
ويقول: ((قل تمتع بكفرك قليلاً ... ) الزمر 8
(قل إني أخاف أن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) الزمر 13
(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) الزمر 60
(وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) الزمر 61
ثم ختمت السورة بآيات السوق:
((وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ..... وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً)) الزمر 72، 73
ولا يختلف الحال في سورة غافر فسياق الآية أيضاً في ذكر يوم الحساب بل إن دلالة وسياق سورة غافر قد اختزل المواضع السابقة حيث قيل (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ، تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (غافر: 41، 42)
ومع كل ذلك نرى أن آية غافر جاءت كختام لهذه الرحلة رحلة الإنذار الممزوج ولو قليلاً بالتبشير، رحلة التهديد بيوم الحساب وما فيه من أهوال لقوم كذبوا فقيل لهم في الختام (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44)
وهكذا يمضي الاسم الكريم في السور الثلاث في رحلة الإنذار ليخفف من وطأتها على من آمن بيوم الحساب، وكأن هذا الاسم مخصوص بيوم الحساب اليوم الذي ينبغي أن نتذكر فيه هذه الهيمنة والتفرد ((لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار .... العزيز))
ومع ذلك لا نجاة للخلق أجمعين، وهنا يبرر اسمه الغفار بما يحويه من كثرة المغفرة لتناسب هذا الجمع الغفير، وما يحويه من تفرد فلا مغفرة من غيره، ولذلك عرف بـ (أل) فلا غفار سواه يومئذ0
ومن هنا أستطيع أن أقول: إن اسمه [الغفار] يعني يوم القيامة وتلك نتيجة لا ينبغي إغفالها.
وإن كانت المغفرة تعني الستر والتغطية. فإن أحوج ما يكون إليها الإنسان يوم القيامة، فالخلق كلهم محشورون. وظهور الذنب أمام هذا الحشد كرب شديد، وإسبال الستر على الخلق بداية العفو، وقد تكون المغفرة عدم الفضيحة فقط، وأشد ما تخشاه النفس في ذلك اليوم افتضاح أمرها، فالكل في صعيد واحد، وكشف الستر حينئذ من أشد أنواع العقاب، لذلك استعمل في هذا الموقف اسمه.
(الغفار) بما فيه من دلالات مستمدة من مادة الكلمة، وصيغة الكلمة، وتعريف الكلمة ومجيئها في الفاصلة، بل آخر الفاصلة، وسبقها بالعزيز، ومجيئها في حال الرفع؛ لتعطي لكل ما سبق قوة، وكثرة، وانفراداً، وشيوعا، ً فالمغفرة في هذا المقام لا يدل عليها إلا بالغفار.

تبيان اسم الله تعالي: (الغفور)
(غافر، وغفار، وغفور).
مقاماتها، ودلالاتها
في القرآن الكريم
سعيد جمعة
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير