تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا استعملت للدلالة على الماضي، فهل تقتضي الدوام والاتصال أم لا؟ مسألة خلاف

وذلك أنك إذا قلت: (كان) فهل هو الآن قائم؟

الصحيح أنه ليس كذلك، هذا هو المفهوم ضرورة .......

وإنما حملهم على جعلها للدوام ما ورد من مثل (كان الله غفوراً رحيماً) وهذا عندنا يتخرج على أنه جواب لمن سأل: هل كان الله غفوراً؟

وقال ابن الشجري:

اختلف في (كان) في نحو: (كان الله عزيزاً حكيماً) على قولين:

أحدهما: أنها بمعني: لم يزل ..

والآخر: أنها تدل على وقوع الفعل فيما مضي من الزمان فإذا كان فعلاً متطاولاً لم يدل دلالة قاطعة على أنه زال وانقطع كقولك (كان فلان صديقي) لا يدل هذا على أن صداقته قد زالت، بل يجوز بقاؤها ويجوز زوالها.

وقال أبو بكر الرازي: (كان) في القرآن الكريم على خمسة أوجه:

1 - بمعني الأزل والأبد كقوله تعالي (وكان الله عليماً حكيماً).

2 - بمعنى المضي المنقطع كقوله (وكان في المدينة تسعة رهطٍ) النمل48 وهو الأصل في معاني (كان) لما تقول: كان زيد صالحاً ... ونحوه.

3 - بمعني الحال كقوله: (كنتم خير أمة) وقوله (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء 103.

4 - وبمعني الاستقبال كقوله تعالي (ويخافون يوماً كان شره مستطيراً) الإنسان 7.

5 - وبمعني (صار) كقوله تعالي: (وكان من الكافرين) البقرة 34].

وخلاصة ما سبق:

أن (كان) في سياق الحديث عن ذات الله – تعالي – وصفاته تخالف مجيئها في سياق الحديث عن المخلوقين.

فهي في سياق الحديث عن أسماء الله وصفاته تفيد الكينونة والوجود الدائم فقوله (كان غفوراً) تفيد أن المغفرة من صفاته الكائنة فيه من غير ارتباط بزمان، صفةً قائمةً به لا تنفك عنه سبحانه وتعالي.

والصورة الأولى لجملة (كان) وردت في عشر مواضع في النساء منها أربعة [في الآيات 96، 99، 100، 152] وفي الأحزاب أربعة [في الآيات 5، 50، 59، 73] وفي الفرقان موضع واحد، آية70، وفي الفتح موضع واحد، آية14، وأغلب هذه المواضع يأتي في سياق عطاء الله وفيضه من المغفرة والرحمة،ثم يأتي التعقيب بجملة (وكان الله غفوراً رحيماً) كأنها تعليل لهذا الفيض، ولنقرأ هذه الجمل قبل جملة كان في عدة مواضع قال تعالي:

[درجات منه ومغفرة ورحمة – وقع أجره على الله – سوف يؤتيهم أجورهم، يبدل الله سيئاتهم حسنات ... ]

فالفيض والعطاء بدون حساب هو الأصل هنا، ثم تأتي جملة (وكان الله غفوراً رحيماً) لتبين أن هذا الفيض سببه اتصاف الله سبحانه بالمغفرة والرحمة اتصافاً أبدياً أزلياً.

وقد يكون السياق في رفع الحرج، وذلك في الآيات المتعلقة برسول الله e كما هو الحال في آيات سورة الأحزاب في قوله:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:50)

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)

والتعقيب على رفع الحرج بالمغفرة، إشارة إلى أن هذا المقام مقام الطهر والعفة لا ينبغي أن يند عنه شيء مما هو خلاف الأولى، وإن ند شيء فمغفرة الله ورحمته تسعه وتحيط به.

وكأن جملة (كان) تصديق وخاتم وشعار يصك ويختم به كل سياق مما سبق بداية من سياق الحديث عن النبي e ، وآل بيته، وانتهاء بالحديث عن المؤمنين، فالكل أفعاله مختومة بهذا الخاتم (كان الله غفوراً رحيماً).

تنوع الصورة في جملة (كان)

مجئ اسمه (الغفور) خبراً لكان جاء في صور أخرى من صور بناء الأسلوب حيث جاءت جملة (كان) لتكون جميعها خبراً لأن واسمها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير