تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا انتقل البحث إلى صورة أسلوبية أخرى لا تختلف كثيراً عن السابقة اللهم إلا في مجئ الضمير بدلاً من اسم (الله) في جملة (إن الله كان غفوراً رحيماً) حيث يقال: (إنه كان غفوراً رحيماً) يجد أنها قد جاءت في أربعة مواضع، في الإسراء آية 25، 44 وفي الفرقان آية 6 وفي فاطر آية 41.

وتظل المعاني السابقة ظاهرة في هذا الأسلوب أيضاً، ويضاف إليها دلالة أخرى، مأخوذة من وضع الضمير موضع الاسم الظاهر.

واقرأ قوله الله تعالي في سورة الفرقان: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6)

وهذه الآية جاءت في سياق ادعاء الكفار أن هذا القرآن إفك وأنه أساطير الأولين، وكأنهم اطلعوا على الغيب، وعلموا أنه إفك وأنه أساطير، فكان الرد (أنزله الذي يعلم السر) ثم تأتي جملة (إنه كان غفوراً رحيماً) فيسترجع القارئ من خلال الضمير الموصول بـ (إن) جملة (يعلم السر) ويستحضرها أمامه ثم يربط بين (يعلم السر) (و إنه كان غفوراً).

فليس القصد إلى وصف الله بأنه غفور ابتداءً، ولكن المراد وصف من يعلم السر بأنه غفور.

وكأن المراد مغفرة الذنوب المستورة، التي لا يعلمها إلا هو وهنا يبدو الفرق واضحاً بين أن يقال

إن الله كان غفوراً رحيما

وإنه كان غفوراً رحيما

ففي الأولى استقلالية ليست في الثانية، ذلك لأن الثانية تُعيدك إلى وصف آخر سبق ذكره في الآية ليتم الربط بينه وبين اسم الغفور.

ولا يبعد بك السياق حين تستعرض آية الإسراء عن هذا المعنى حيث قيل: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً) آية 25.

ليرتبط اسمه الغفور بالسر الذي في النفوس وكذلك في آية فاطر: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) آية 41.

فإمساك السماوات والأرض، غرض ينبغي استحضاره عند وصف الله بأنه (غفور).

فالغفور هنا وصف ليس لاسم (الله) ولكن لمن يمسك السماوات والأرض ولمن يعلم كيف يمسك؟ ولماذا يمسك؟ فالإمساك، والكيفية، والعلة، كلها من الأسرار التي لم يطلع عليها أحد وعلي المسلم أن يستحضرها عند قراءة قوله (إنه كان حليما غفورا) وهذا يعنى أن اسمه (الغفور) يأخذ بعداً آخر ومساحة أخرى غير موجودة في السياقات السابقة.

ثالثاً: مجئ اسمه الغفور مرفوعاً

كنت قد تحدثت في مبحث سابق عن اسمه سبحانه (الغفور) بين التعريف والتنكير وتناولت هناك بعض الآيات التي ورد فيها اسمه (الغفور) مرفوعاً.

لكنني أشير إلى أن التناول هناك كان منصباً على مجيئه معرفة أو نكرة والتناول هنا سيعمد إلى الحالة الإعرابية.

ولقد ورد هذا الاسم الشريف مرفوعاً في سبعين موضعاً، منها ثمان وأربعون موضعاً جاء خبراً (لإن) الناسخة، وجاء الباقي خبراً لمبتدأ، وتنوعت صور الجملة الابتدائية حيث قيل: (الله غفور – هو الغفور – ربك الغفور).

وفي جملة (إن) جاءت الجملة في صور متنوعة أيضاً حيث قيل:

[إن الله غفور – إنه هو الغفور – أنه غفور – إني أنا الغفور – إن ربك لغفور – إن ربي لغفور – فأني غفور – إنك غفور].

ولا شك أن كثيراً من هذه المواضع قد مر الوقوف عندها لذلك سأحاول الوقوف على المواضع التي لم يسبق الإشارة إليها.

دلالة الغفور في جملة (وهو الغفور الرحيم)

أجرى عبد القاهر حول هذا التركيب دراسة بيّن فيها أنه قد يفيد القصر حقيقة كما يقال: هو الأمير، وقد يفيده ادعاءً كما تقول: هو الجواد، وقد يفيد التوكيد كما تقول: ووالدك العبد، لكني أذكر هنا حديثه عن الخبر الموهوم المتخيل حيث يقترب هذا المعني من سياقات بعض الآيات:

يقول عبد القاهر – رحمه الله -:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير