(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى:13)
قال رحمه الله: (اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً.
وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة، وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب والشورى، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم.)
ثم قال:
(واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن لفظة من، في قوله: من الرسل بيانية يظهر أنه خلاف التحقيق، كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ}، فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر، ونهاه عن أن يكون مثل يونس، لأنه هو صاحب الحوت وكقوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} فآية القلم، وآية طه المذكورتان كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل والعلم عند الله تعالى.)
وقد ذكر البلنسي في تفسير مبهمات القرآن أن الناس اختلفوا في أولي العزم من الرسل على أقوال كثيرة حصرها القاضي أبوبكر بن العربي في عشرة أقوال.
ثم أورد هذه الأقوال العشرة مع التعليق على بعضها، ثم ختم بقوله:
(والصحيح عند الحذاق أن كل من أثنى الله عليه بالصبر مطلقاً فهو من أولي العزم.) 2/ 505 - 508
وجميل ما قاله ابن عطية:ولا محالة أن لكل نبي ورسول عزماً وصبراً.
وقد علق القاضي محمد كنعان على آية الأحقاف بما حاصله أنه ليس هناك دليل على تعيين أولي العزم، وأن الأنبياء كلهم من أولي العزم.
وأما آية طه {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} في حق آدم فلا تدل على أنه ليس من أهل العزم عموماً، وإنما نفي عنه العزم في مسألة أكل الشجرة، أي لم نجد له عزماً في ترك الأكل من الشجرة التي نهي عنها.
وعل كلٍ؛ كثير من المفسرين على أنهم الخمسة المشار إليهم أعلاه، مع التنبيه على أن محمداً صلى الله عليه وسلم - وهو سيدهم وإمامهم - ليس داخلاً في آية الأحقاف؛ لأنه مأمور بأن يصبر كصبرهم.
وقد نظم بعضهم في أولي العزم فقال:
أولو العزم نوح والخليل الممجد وموسى وعيسى والحبيب محمد
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[20 Aug 2009, 05:31 م]ـ
جاء في شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ ما نصه:
واختلف العلماء في أولي العزم من الرسل من هم؟ على أقوال كثيرة:
القول الأول:
أنَّ كل رسول هو من أولي العزم، ومعنى أُولِيْ العَزْمْ يعني أولي الصبر والمصابرة والجَلَدْ والتجلد في دين الله - عز وجل -، فهم أهل عزم قوي في مواجهة أعداء الله وأهل صبر ومصابرة.
فهذا القول أنَّ كل رسول هو من أولي العزم.
ما معنى قوله إذاً {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}؟
قالوا {مِن} هنا ليست تبعيضية بل بيانية، مثل ما تقول الرجل من القوم.
يعني فاصبر كما صبر أولو العزم من الناس؟ لا؛ من الرسل.
والرسل كلهم على هذا، فتكون {مِنَ} هنا على هذا التفسير بيانية لا تبعيضية.
القول الثاني:
أنَّ أولي العزم من الرسل هم ثمانية عشرة رسولاً وهم المذكورون في سورة الأنعام.
القول الثالث:
أنَّ أولي العزم من الرسل خمسة وهم المذكورون في سورة الأحزاب وسورة الشورى، قال - عز وجل - {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى:13]، فَجَمَعَ خمسة الرسل وهم المذكورون أيضاً في سورة الأحزاب.
وهذا القول بأنهم الخمسة هؤلاء، هو الأظهر والأرجح ويَدُلُّ له ويُقَوِّيه أنَّ هؤلاء الخمسة هم الذين يستغيث الناس بهم يوم القيامة من شدة الحساب أو من شدة هول الموقف وطول المُقَامْ في طلب تعجيل المحاسبة والقضاء بين الخلق، أعاننا الله جل علا على شدائد ذلك اليوم، في حديث الشفاعة الطويل المعروف، يأتون آدم ثم قال يأتون نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم. آدم خَرَجَ لأنه ليس برسول بقي الخمسة لأنهم مرسلون.
¥