تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين *الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون}، فالجهاد لم يُقصدْ به هنا إلا المعنى القتالي، ويوضح ذلك ما جاء في سبب نزول هذه الآية من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صَلَّيْتُ الجمعةَ دخلتُ فاستفتيتُه فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} الآية.

فهذا يدل على أنهم لم يفهموا من الجهاد إلا معناه القتالي بدليل أنهم جعلوه في مقابلة أمور أخرى قد تدخل في الجهاد بمعناه العام مثل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وقد جاء النص القرآني مقراً لهم على هذا الفهم، ولم يقل لهم إن كل هذا الذي ذكرتموه داخل في معنى الجهاد، ثم بين لهم أفضلية الجهاد أي القتال في سبيل الله على غيره من الأعمال.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرف الجهاد بذلك، وذلك لما سُئِلَ: ما الجهاد؟ قال: (أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم).

ويقول ابن رشد:" إن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". وتعريفات الجهاد عند الأئمة في المذاهب الأربعة تدل على ذلك.

وإن للجهاد حكماً جمةً، والهدف الرئيسي له هو تعبيد الناس لله رب العالمين، وإخراجهم من العبودية لغير الله، وإزالة الطواغيت كلها من الأرض، والأدلة على هذا كثيرة ومنها: قوله تعالى في موضعين: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ". وهو موضع اتفاق بين علماء الإسلام. لا كما يزعم أهل الضعف والخور إن الجهاد للدفع وحماية المسلمين فقط!! فقد تلقوا هذه القالة عن أساتذتهم الإستشراقيين وتلقفوها صاغراً عن صاغر ..

* * *

وللجهاد أهداف أخرى منها على سبيل المثال: حماية الدولة الإسلامية، وإرهاب الكفار وإذلالهم، وأهداف تعود على المسلمين في ذوات أنفسهم مثل: رد الاعتداء على المسلمين، وكشف المنافقين، وتمحيص المؤمنين من ذنوبهم، والتربية على الصبر والبذل والثبات، والحصول على الغنائم، ونيل الشهادة.

* * *

وليُعلم أن للجهاد الأثر القوي في نشر الإسلام والدعوة إليه، قال ابن القيم في الفروسية: " فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسِّنان، فكلاهما في نصره أخوان شقيقان ". بل إن الكاساني اعتبر الجهاد ضرب من الدعوة إلى الله، فقال: " والدعوة دعوتان: دعوة بالبنان وهي القتال، ودعوة بالبيان وهو اللسان ".

وإن هذه الصفة مشتركة بين عمل القلب وعمل الجوارح وهو الأغلب، وما سبق أصله عمل قلبي، وما يظهر على جوارح المؤمن هو من لوازمها، ولكن هذه الصفة أصلها عمل للجوارح مدفوع من الباطن، وهي من أهم الصفات، ولا أبالغ إذا قلت إن هذه الصفة هي مَكْمَن ومحور الصفات السابقة، وهي مجمع لما مضى، قال أبو حيان: " والجهاد والصلابة في الدين هما نتيجة الأوصاف السابقة لأن من أحب الله لا يخشى إلا إياه، ومن كان عزيزاً على الكافر جاهد في إخماده واسئصاله ". وقال شيخ الإسلام: " والجهاد دليل المحبة الكاملة .. لأن المحبة مستلزمة للجهاد لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير