وما ظنك بها ـ بعد أن أضناها العطش، وسألت الإغاثة لسد ما يجدونه من حرارة بطونهم ـ فإذا بهم يغاثون بماء كالمهل، يشوي الوجوه، (بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً)،اللهم إنا نعوذ بك من حال هؤلاء.
وفي مقابل هذه الأوصاف الموحشة، لتلك الوجوه الكالحة، فإن الله تعالى وصف وجوه أهل الإيمان بأوصاف تليق بها، جزاءاً وفاقاً، إنه وجوه المتوضئين، الراكعين، الساجدين، إنها وجوه الذاكرين المخبتين (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
يا الله!
ما أعظم الفرق بينهم وبين من يقدم أرض المحشر وقد بيّض الله وجهه، ونضّر جبينه، ويعده ربه برحمته الخالدة؟!.
ألا يحق لتلك الوجوه التي بشرّت بجنة ربها،و الخلود فيها أن تكون وجوهاً تعلوها النضارة، والسرور؟
بلى والله، ولذلك قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى ربها ناظرة)، (تعرف في وجوههم نضرة النعيم).
وحق لها والله أن تكون ناضرة! أليست هي الوجوه التي لطالما سجدت لله؟!
أليست هي الوجوه التي لطالما تحدرت الدموع عليها من خشية الله؟!
أليست هي الوجوه التي حفظت ما فيها من جوارح: في سمعها وبصرها ولسانها عما لا يرضي الله؟!
ثم تاج ذلك كله أن تتنضر في جنة النعيم برؤية رب العالمين سبحانه وتعالى، ذلك النعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو الزيادة التي وعد الله بها المؤمنين من عباده في قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
إنها الوجوه التي قال الله عنها: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحكة مستبشرة)،إنها وجوه الناس الذين يأخذ أحدهم كتابه أحدهم بيمينه فيقول ـ من فرحه وسروره ـ (هاؤم اقرأوا كتابيه، إني ظنتت أني ملاق حسابيه) إنها: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لسيعها راضية * في جنة عالية * قطوفها دانية ... )
ولئن كانت وجوه الكفرة، عليها غبرة، وترهقها قترة، فقد سلم الله وجوه المؤمنين من ذلك، بل هي كما قال الله: (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
ومن عجب أنك ترى مقدماتٍ لهذه الأحوال في الدنيا قبل الآخرة!
فلله، كم من شخص ـ في هذه الدنيا ـ خلق أسود البشرة، من أهل الإيمان، إلا أنك ترى عليه نضرة الإيمان، وبهاء الطاعة، والعكس صحيح، فكم من رجل خلق أبيض البشرة، إلا أنك ترى ظلمة المعصية على وجهه، وآثار الضيق على محياه!
فسبحان من أشهد عباده شيئاً من أحوال ذلك اليوم؟!
وقفة،ومثال واقع ولا بد:
فلكأني بوجه بلال، الذي قضى الله أن يكون أسود البشرة، لكأني به يأتي أبيض الوجه، يطفح بالبشر والسرور، ويتهلل بالرضا والنضارة!
ولكأني بذلك البغيض المقيت أبي لهب، والذي لقب وكني بأبي لهب، لشدة الحمرة التي تعلو وجهه، لكأني به مسود الوجه، عليه غبرة، ترهقه قترة، لماذا؟ إنه من الكفرة الفجرة.
فنسأل الله تعالى أن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[15 Mar 2006, 12:57 ص]ـ
بعد انقطاع عن الاستمتاع بالمشاركة في هذا الملتقى ـ بسبب البحث الذي أعان الله على تسليمه ـ أعود لأطلب من إخوتي إبداء ملاحظاتهم على هذه التأملات في أحوال الوجه ..
لأنني أنوي ـ بإذن الله ـ أن أستمر في تسجيل بقية ما لدي من تأملات في بقية الجوارح .. فلا تحرمونا تصويباتكم،لا حرمكم الله الأجر والثواب.
ـ[أبو مهند القصيمي]ــــــــ[15 Mar 2006, 01:09 ص]ـ
جزاك الله خيراً،،،
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Mar 2006, 02:42 م]ـ
بارك الله فيكم أبا عبدالله على هذه التأملات الموفقة في آيات القرآن الكريم. ومثل هذه التأملات السريعة من أنفع ما يكون في الكلمات القصيرة بعد الصلوات في المساجد، فواصل وفقك الله ونفع بك.
وأبارك لكم الانتهاء من رسالة الدكتوراه، جعلها الله عوناً لك على طاعته.