تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحجتهم في ذلك: (أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لم يَجْهَلْ شيئًا مِنها، وكان قَد أوتي جَوامِع الكَلِم) (18)، وأنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج [كما في النوع الأول مِن الأحاديث]، فوَّجَب بِذَلِك نُزُولُه بِلُغات العَرَب ولَهَجَاتِهم، وإلا لا مَعنىً للتيسير ودَفْع الحَرَج.

ويقولون: (وليس مَعناه أن يكونَ في الحَرْفِ الواحِد سَبْعَة أوجُه؛ ولكن هذه اللغات السَبْعَ مُتفَرِقَة في القُرآن؛ فبعضُه بِلُغَة قُرَيش، وبعضُه بِلُغَة هُذَيل، وبعضُه بِلُغَة هُوازِن، وبَعضُه بِلُغَة اليَمَن. وبعضُ الأحياء (أي: اللغات) أسْعَدُ بها وأكثَرُ حظاُ فيها مِن بَعض؛ فيُعَبَر عَن المَعنى فيه مَرة بِعِبَارَةِ قُرَيش، ومَرة بِعِبَارَةِ هُذَيل، ومرة بِغَيرِ ذلك بِحَسَبِ الأفْصَح والأوْجَزِ في اللفظ، وإنْ كَانَ أغلَبُه نَزَل بِلُغَة قُرَيش [كما قال (ابْنُ عَبْدِ البَر) –رحمه الله-]؛ لقولِ (عُثمانَ بْنِ عَفَان) –رضي الله عنه- أثناء جَمْع المُصحَف: "ما اختلفتُم أنتم وَ (زَيْد) فاكتُبُوه بِلُغَة قُرَيش؛ فإنَّه نَزَل بِلُغَتِهم") (19).

ويقولون في كيفية نُزُولِ القُرآن على هذه السَبْع: "أنَّ (جِبْريلَ) –عليه السلام- كان يأتي رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) في كُلِ عَرْضَة بِحَرفٍ إلى أن تَمَّتْ" (20).

واعتُرِض على هذا القول بأنَّ لغات العرب أكثر مِن سَبْع! وأُجيب بأنَّ المرادَ أفصَحُها، واختلَفوا في تعيينِّها على أقوالٍ عِدَة:

1 - فقيل هي: لغة قُرَيش، هذيل، تميم، الأزد، ربيعة، هوازِن، سعد بن بكر.

2 - قال بعضُهم: هذيل، كنانة، قيس، ضبة، تيم الرباب، أسيد بن خزيمة، قريش.

3 - قيل: السَبْع في مُضَر خاصة لقول (عمر بن الخطاب) –رضي الله عنه-: "نزل القرآن بلغة مضر".

4 - وقيل: بل السَبْع في بطون قُرَيش فحسب؛ لقولِه تعالى (وما أنزلنا من رسولٍ إلا بلسان قومِه) [إبراهيم: 4]، وبه جَزَم أبو الأعلى الأهوازي واختاره ابن قُتَيبة –رحمهما اللهُ تعالى.

5 - وقيل: أنزِل أولا بلسان قُرَيش ومَن جاورَهم مِن الفُصحاء، ثم أُبيح للعَرَب أن تقرأهُ بِلُغاتِها؛ دفعًا للمشقة ولِمَا كان فيهم مِن الحَمّيَة، ولم يَقَع ذلك بالتَّشَهي؛ بل المَرعي فيه السماع مِن النبي (صلى الله عليه وسلم).

وهذا القَولُ ضَعيفٌ مِن وَجْه، قَويٌ مِن وَجْهٍ آخَر؛ وبذلك يُمكِن اعتمادُه ببَعضِ الضوابِط الأخرى:

فهو ضَعيفٌ؛ لأنَّ [(عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب) و (هِشامَ بْنَ حَكِيم) –رَضيَ اللهُ عَنهما- كِلاهما قُرَشي مِن لُغَةٍ واحِدَةٍ وقَبيلَةٍ واحِدَةٍ، وقَد اخْتَلَفَتْ قِرَاءتُهما، ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه، فدَلّ على أنَّ المُراد بالأحْرُفِ السَبْعَة غيرُ اللُغات] (21)؛ فوَجَبَ بَذَلِك صَرْفُ مَعنى "الأحْرُف السَبْعَة" إلى مَعنىً آخر غير "اللغات".

تَنبيه هام: لقد أجاب الإمام (الألوسي) -رحمه الله- عَن هذا الاعتِراض (22)، ولكن المُتأمِلَ لجوابِه –رحمه الله- يجِدْه إنَّما أجَابَ –فَحَسبُ- عَن قول الإمام (السيوطي) –رحمه الله-: "ومُحال أن ينُكِرَ عليه (عُمَرُ) –رَضيَ اللهُ عَنه- لُغَتَه" اهـ؛ بما حاصِلُه أنَّ: [مَرجِعَ "الأحُرُف السَبْعة" هو الرِواية عَن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) لا الدِراية والرأي والتَشَّهي] (23)، وبذلك فجوابُه خارِج مَحَل النِزاع؛ لأنَّ ما قَالَه قد نَبَهنا عليه سابِقًا؛ راجِع تَنبيه (1).

أما وَجْه القُوَة في هذا القَول؛ أنَّ الحِكمَة مِن نزول القُرآن على سَبْعَة أحْرُف هي: التخفيف على الأمة ودَفْع المَشقة وإزالة الحَرَج؛ كما يتضِحُ ذلك جَلياُ في قولِه (صلى الله عليه وسلم) لأُبّيِّ بن كَعْب –رَضيِ اللهُ عنه-: "أُرْسِلَ إلَىَّ أنْ أقْرأ القُرآنَ عَلَى حُرْفٍ، فَرَدَدْتُ إلَيهِ أنْ هَوِّن على أُمَّتي"، إلى أن قال (صلى الله عليه وسلم): "فَرَدَّ إلَيَّ الثالثةَ أقْرأهُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ" (24)؛ فوَّجَبَ صَرْفُ معنى "الأحْرُفِ السَبْعَة" إلى "لغات العَرَب ولهَجَاتِهم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير