إلا أن أخي فهد سامحه الله يستضيف مع الضيف الحاضر عشرة من الغائبين ـ وإن كانوا شاركوا بالمفيد ـ إلا أني وددت لو أنه ترك الدكتور يتحدث قليلا حول هذه المسألة، وغيرها من المسائل المهمة التي كان يريد أو من المفيد تناولها والتفصيل فيها قليلا، وهو موضوع كبير وقديم قدم العربية نفسها، وتناوله يستوجب تناول كل قضايا اللغة وعلومها من نحت وإبدال وترادف واشتراك وتضاد ومعرب ودخيل ...
وكأن الدكتور يود أن يقول بأننا بهذه الآلات نستطيع خلق ألف ألف كلمة وكلمة، بل اثنى عشر ألف ألف كلمة كما قال الخليل رحمه الله فيما نقله عنه، وفي الحقيقة أنه موضوع خصب جبار ثري لأي شخص يريد خوض غماره والبحث فيه، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع صاحب هذه الهمة الفذة في النتيجة التي سيصل إليها، أو في بعض وجوهها على الأقل.
ولفت انتباهي المعجم الذي مولته عدة دول عربية على رأسها السعودية، والذي أشرف على جمعه في نخبة من الباحثين أربعة أعوام ـ ليجمع فيه مصطلحات الفضاء ـ والذي توصل فيه إلى رقم قياسي (350000) ثلاثمائة وخمسين ألف مصطلح فضائي، والأشد عجبا ماذكره منوها فيه بعظمة القرآن الكريم ومبينا بعض وجوه إعجازه، حيث كان أغلب تلك المصطلحات إما من القرآن الكريم، أو مردها للقرآن الكريم؟!، ومع انشراح صدري لهذه الإفادة وحجم قائلها، إلا أني شخصيا لم يتبين لي وجهها إلا بشئ من التكلف.
وكان له في هذا اللقاء نفثة روح بها عن صدره، وزفرة بكى بها أمسه، على تراث الأمة الضائع في كل العلوم، والمنسي على أرفف المكتبات في شرق الأرض وغربها، وناشد الباحث أن ينظر فقط إلى ما تحويه خزائن تركيا من مخطوطات، ثم نادى ـ طبعا لاحياة لمن تنادي ـ القيادات الإسلامية والعربية بدعم مراكز البحث وإلى أن تدفع لهم فقط ربع ما تنفقه على لعب الكرة والله المستعان.
وقال: انظروا إلى معجم الحديث النبوي ـ المعجم المفهرس ـ من الذي موله ودعم الباحثين المستشرقين في إخراجه؟ إنها الدول الغربية الكافرة، لا العربية المسلمة، ومن بين تلك الدول الدنمارك!.
في الحقيقة كان لقاءا جيدا مع شخصية لا تملك إلا الإعجاب بما تملكه من همة ونشاط، وتخرج منها إلى معرفة ما تملكه هذه الأمة من طاقات وذخيرة لو أحسنت دعمها والأخذ بيدها، فالرجل مع تمكنه من علوم العربية وتصدره لإخراج معاجم فيها جديدة، يتقن إلى جوار ذلك ثمان لغات عالمية حية، لم تؤثر على اهتمامه بالعربية والإشادة بها، وحلها لكثير من المصطلحات العصرية وعلومه التطبيقية، لا أشك أن لهمته الشخصية دور بعد عون الله تعالى في هذا التحصيل، إلا أن لمنهجية التعليم الذي تلقاه دور أكبر.
وللأسف الشديد فإن مدارسنا وجامعاتنا تخرج الكثير ممن لا يحسن التفريق بين الفعل والفاعل، فضلا عن (الاسبلنق والقرمر) للغة واحدة، وليس هذا منى دعوة لتعلم هذه اللغة بقدر ماهو إشادة بجمال المعرفة وهيبة العلم، حتى في أدق فنون الحياة، وفي الحقيقة أن كل لسان يمثل لك إنسان كماقال الحلي، وإن كان يقول شيخنا الجاحظ: أن كل لغة تدخل بقدر من الضيم على المزاحمة لها.
ليس هذا موضع الحديث عن هذه المسألة أوهذا الهم الذي كله أسف وأسى، فكما أن رقي الفرد يحسب بتحصيله العلمي عند عقلاء البشر، فكذلك المجتمعات والأمم، فالله المستعان على ماوصل إليه حال التعليم في يومنا هذا، فمع كثرة المدارس والجامعات والذي لا يحصى كثرة من يروح عليها ويغدو، إلا أن العلم يشكو شدة الجفوة وصدق الطلب.
وقد حاول الضيف أن يعرج على العلاقة بين الشرق والغرب الإسلاميين، فأشار إشارة عابرة في آخر حديثه، لم يسعفه الوقت لطرح وتناول هذه القضية بما لديه، وإلا فهي قضية قد كتبت فيها مصنفات واسعة، وتناولتها بالفصل تارة والوصل تارات، وأظن أنه أشير في هذا الموقع إلى شئ من طرفها.
قبيل الفجر من صبيحة يوم الخميس 12/ 3/1429