ـ[أبو بكر الأمريكي]ــــــــ[26 May 2004, 11:11 ص]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى > مجموع فتاوى ابن تيمية > الفقه > كتاب الأطعمة > باب الذكاة > مسألة: أكل ذبيحة أهل الكتاب > فصل الإنكار على من يأكل ذبائح أهل الكتاب)
قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} هل المراد به من هو بعد نزول القرآن متدين بدين أهل الكتاب؟ أو المراد به من كان آباؤه قد دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل؟ على قولين للعلماء. " فالقول الأول " هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلف وهو مذهب أبي حنيفة؛ ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد؛ بل هو المنصوص عنه صريحا. و " الثاني " قول الشافعي؛ وطائفة من أصحاب أحمد. وأصل هذا القول أن عليا وابن عباس تنازعا في ذبائح بني تغلب فقال علي: لا تباح ذبائحهم ولا نساؤهم؛ فإنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر وروي عنه [أنه قال] نغزوهم لأنهم لم يقوموا بالشروط التي شرطها عليهم عثمان؛ فإنه شرط عليهم أن وغير ذلك من الشروط. وقال ابن عباس: بل تباح؛ لقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. وعامة المسلمين من الصحابة وغيرهم لم يحرموا ذبائحهم؛ ولا يعرف ذلك إلا عن علي وحده وقد روي معنى قول ابن عباس عن عمر بن الخطاب. فمن العلماء من رجح قول عمر وابن عباس وهو قول الجمهور: كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وصححها طائفة من أصحابه؛ بل هي آخر قوليه؛ بل عامة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا القول. وقال أبو بكر الأثرم: ما علمت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهه إلا عليا وهذا قول جماهير فقهاء الحجاز والعراق وفقهاء الحديث والرأي كالحسن وإبراهيم النخعي والزهري وغيرهم وهو الذي نقله عن أحمد أكثر أصحابه وقال إبراهيم بن الحارث: كان آخر قول أحمد على أنه لا يرى بذبائحهم بأسا. ومن العلماء من رجح قول علي وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وأحمد إنما اختلف اجتهاده في بني تغلب؛ وهم الذين تنازع فيهم الصحابة. فأما سائر اليهود والنصارى من العرب مثل: تنوخ وبهراء وغيرهما من اليهود: فلا أعرف عن أحمد في حل ذبائحهم نزاعا؛ ولا عن الصحابة ولا عن التابعين وغيرهم من السلف؛ وإنما كان النزاع بينهم في بني تغلب خاصة؛ ولكن من أصحاب أحمد من جعل فيهم روايتين كبني تغلب. والحل مذهب الجمهور كأبي حنيفة ومالك وما أعلم للقول الآخر قدوة من السلف. ثم هؤلاء المذكورون من أصحاب أحمد [قالوا] من كان أحد أبويه غير كتابي بل مجوسيا لم تحل ذبيحته ومناكحة نسائه
انتهى من كلامه
فيظهر جليا أنه لم يفهم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الآية لا تشمل النصارى كما تشمل اليهود وفهمهم هو المتعين إذ هم قد شاهدوا التنزيل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي بين لهم معانيه فلا يمكن أن يتفقوا على خطأ في فهم كلام الله ثم نأتي من بعدهم ونفهمه على الوجه الصحيح
وقال الله تعالى:
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وقال شيخ الإسلام في مقدمته في أصول التفسير:
فصل يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} يتناول هذا وهذا وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا؛ ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. انتهى من كلامه
وهذا الأثر مذكور في تفسير الطبري وغيره وأيضا روى الإمام الطبري مثله بإسناد حسن عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وروى الإمام أحمد (246 و 350) وابن ماجه (2276) وغيرهم عن عمر رضي الله عنه أنه قال:
إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها فدعوا الربا والريبة
هذا الحديث صححه الشيخ الألباني في تعليقه على سنن ابن ماجه
فدل هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم ما يحتاجون إليه من معاني الآيات ومعرفة الأحكام. كيف لا وهو القائل:
إنه ليس شيء يقربكم من الجنة إلا وأمرتكم به وليس شيء يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه
والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني برقم (2866) وبين فيه طرقه وتصحيحه إياه