منهج وموضوع ومقصد ... وهي أمور متجاورة دوما لكنها متمايزة أبدا عكس الفهم الشائع الذي يراها مترادفة غالبا.
التمايز بينها كالتمايز بين أدوات الاستفهام: بمَ؟ فيمَ؟ لمَ؟ ..
بمَ تبحث؟ ذلك المنهج.
فيم َ تبحث؟ إنه الموضوع.
لمَ تبحث؟ تلكم الغاية أو المقصد.
فالمنهج هو الآليات الذهنية المعدة مسبقا قبل تفحص الموضوع أو مجموعة من القواعد العامة التي سيلتزم الفكر بها في حركته في المادة/ الموضوع .... فإن قال مثلا سأشتغل نازلا من الكليات إلى جزئياتها فهذا هو المنهج الاستنباطي وإن قال سيتحرك فكري صاعدا من المفردات إلى النظرية الكلية فهذا هو الاستقراء .... لكن لا يستقيم استعمال المنهجين كيفما اتفق فتصور طبيعة الموضوع-وهو أمر منهجي آخر- يفرض على الباحث اعتماد المنهج الملائم:
فالفلكي مثلا الذي يعرف موضوع بحثه جيدا يعلم أيضا أنه لا يصلح في مجاله إلا المنهج الاستنباطي ..... والكلام عن الاستقراء في الفلك جهل مركب .... لا يضارعه في الجهل إلا القول باصطناع التجريب في مجال الرياضيات .....
فهل أدرك أهلونا طبيعة الموضوع القرآني قبل استيراد المناهج أم هو الانبهار والتجديد بأي وجه!!!
المنهج إذن من دائرة الفكر والمنطق .....
أما الموضوع فهو من دائرة العالم كالأجسام والحركات واللغات والنصوص المنتوجة بها وفيها ...
أما القصد فمن النوايا والأغراض أي من دائرة الأخلاق ....
فقول القائل" المنهج الحركي أو السياسي في التفسير" لا يقصد به مفهوم المنهج كما حددناه ولكنه يقصد إما الموضوع أو الغاية ....
فإن أراد أن يكتشف من القرآن الكريم سبل السياسيين –مثل الفرعون أو غيره-في اضطهاد الناس وتحزيبهم ونشر الوعي الخاطيء بينهم فالسياسة هنا من صفة الموضوع ....
وإن أراد أن يفسر القرآن بما يراه ملائما مع الدعوة ويدعي أنه آن الأوان ليخرج القرآن إلى الناس لنحقق به برامج سياسية من قبيل توحيد الأمة ووصول الدعاة إلى مركز القيادة ..... فالسياسة هنا من صفة الغاية بلا شك ...... لكن المنهج بما هو منهج لايمكن أن يتصف بوصف سياسة أو اقتصاد أو نفس لأن هذه المقولات من العالم وليست من آليات الفكر.
ونحن لما رتبنا الثالوث السابق مبتدئين بالمنهج منتهين بالغاية فلمقتضى منطقي صرف وإلا ففي الواقع يكون الأخير هو الأول على اعتبار المبدأ المشهور: آخر العمل أول الفكرة.
فالغاية هي الباعث على تأمل الموضوع وتصويب النظر ... وتصويب النظر يفترض آلة الإبصار وزاوية حقل الرؤية وأدوات المقاربة بكلمة واحدة: المنهج.
هذا ..... ولما كان مصطلح منهج التفسير هو ما يشغلنا بالقصد الأول توجب أن نبحث عن المصطلح القريب في حقلنا التداولي لكي نفي بحق الدلالة على مفهوم منهج كما نبت في حقل الابستملوجيا تحاشيا للدلالة العامية القلقة حيث يتسمى الموضوع منهجا وحيث يشتقون من نية الباحث وغرضه وصفا ينقلونه مباشرة إلى المنهج ليوصف به.
ولعل الأشبه-في رأيي- أن نترجم منهج التفسير ب "أصول التفسير" ...... فيكون الكلام عن منهج مفسر ما هو الكشف عن الأصول القبلية التي وضعها نصب عينه وترسانة المباديء والمسلمات التي فرغ منها ... فتكون ثنائية (أصول التفسير /التفسي) ر موازية للثنائية المتداولة المشهورة: (أصول الفقه/الفقه.)
لو ثبت هذا ..... فهل نتجرأ بعد على الدعوة إلى تجديد مناهج التفسير؟
بمعنى هل يعقل أن ننادي بتجديد وتغيير أصول التفسير؟
هل يقبل أن نحض على تجديد أصول الفقه ..... ؟
... وأصول الدين أيضا؟
التجديد في الأصول في أي مجال شرعي باطل على التحقيق ...... والقول في هذا الموضوع لا يتفق مع مقام هذه المقالة ..... فلعلنا نكتب فيه لاحقا بإذن حكيم خبير.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ......