كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ "
ـ[أبو إسحاق]ــــــــ[26 May 2006, 10:32 م]ـ
السلام عليكم
يقول الله تعالى في سورة المطففين:"كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى? قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ " ...
كلا هي للردع، والزجر او حرف ردع وزجر كما قال سيبوية وتأتي بمعنى (حقًا) وخاصة أذا كانت في بداية الكلام لتأكيد ما بعدها، فتكون في موضع المصدر، ويكون موضعها نصباً على المصدر، والعامل محذوف، أي أحقّ ذلك حقاً.
ورَانَ يَرِين رِن رَيْناً ورُيُونا ً [رين]:- الشيْءُ فلانًا وعليه وبه: غلب عليه, والمعنى: ان الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأوّلين هو غلبت عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها حتى صار ذلك صَدَأً ودَنَسًا على قلوبهم فعَمَّى عليهم معرفة الحقِّ من الباطل.
ثم كرّر سبحانه وتعالى الردع، والزجر فقال: " كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ " ... واليكم اقوال المفسرين لهذه الآية:
قال مقاتل: يعني: أنهم بعد العرض والحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم.
قال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته.
قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنّ الله عزّ وجلّ يرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة. وقال جلّ ثناؤه:
" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى? رَبّهَا نَاظِرَةٌ " [القيامة: 22، 23] فأعلم جلّ ثناؤه أن المؤمنين ينظرون، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه. وقيل: هو تمثيل لإهانتهم بإهانة من يحجب عن الدخول على الملوك.
وقال إبن عطية في تفسيره:"والضمير في قوله: "إنهم عن ربهم " هو للكفار، قال بالرؤية وهو قول أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص، وقال الشافعي: لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى".
وفال إبن عادل:"قال أكثر المفسرين: محجوبون عن رؤيته، وهذا يدل على أن المؤمنين يرون ربهم - سبحانه وتعالى - ولولا ذلك لم يكن للتخصيص فائدة.
وأيضاً فإنه - تعالى - ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد، والتهديد للكفار، وما يكون وعيداً وتهديداً للكفَّار لا يجوز حصوله للمؤمنين، وأجاب المعتزلة عن هذا بوجوه:
أحدها: قال الجبائي: المراد أنهم محجوبون عن رحمة ربهم أي: ممنوعون كما تحجب الأم بالإخوة من الثُّلث إلى السُّدس، ومن ذلك يقال لمن منع من الدخول: حاجب.
وثانيها: قال أبو مسلم: " لمحجوبون " غير مقربِّين، والحجاب: الرَّدُ، وهو ضد القبول، فالمعنى: أنهم غير مقبولين عند الرؤية، فإنه يقال: حُجِبَ عن الأمير، وإن كان قد رآه عن بعدٍ، بل يجب أن يحمل على المنع من رحمته.
قال الزمخشريُّ: كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم؛ لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم.
وقال إبن عاشور:"جملة: " إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون " وما عطف عليها ابتدائية وقد اشتملت الجملة ومعطوفاها على أنواع ثلاثة من الويل وهي الإهانة، والعذاب، والتقريع مع التأييس من الخلاص من العذاب.
فأما الإهانة فحجْبُهم عن ربهم، والحجب هو الستر، ويستعمل في المنع من الحضور لدى الملك ولدى سيد القوم، قال الشاعر الذي لم يسمّ وهو من شواهد «الكشاف»:إذا اعتروا باب ذي عُبِّيَّه رجِبوا والناسُ من بين مَرجوب ومَحْجوب
وكلا المعنيين مراد هنا لأن المكذبين بيوم الدين لا يرون الله يوم القيامة حين يراه أهل الإيمان.
ويوضح هذا المعنى قوله في حكاية أحوال الأبرار:" على الأرائك ينظرون ".
ومن هذا يتضح ان معنى (محجوبون) ممنوعون عن رؤيته سبحانه وتعالى وذلك لما يلي:
1.إثبات الحجب عن الله للكفار تنفي الحجب عن المؤمنين ... والمؤمن بطبيعة الحال غير محجوب عن الله بمعنى رحمته وهذا يؤكد ان القصد هو إثبات رؤية الله.
2.بما ان الحجب إهانة للكافر ونفيه عن المؤمن تشريف له ,وهذا التشريف في الفردوس هو شرف رؤية الله سبحانه وتعالى.
¥