تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أبحاث في الجملة القرآنية من حيث المبنى (3)]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[06 Jun 2006, 10:55 م]ـ

3. التقابل والتماثل:

أ- التقابل:

كان للتقابل في القرآن الكريم دور كبير وحضور بارز في تكثيف الصور وإظهارها من خلال مقابلها وكما يقال (وبضدها تتميز الأشياء)، فحين نأخذ التقابل الموجود في سورة الضحى مثلاً نجده يأتي لافتاً إلى صورة مادية مدركة وواقع مشهود توطئة ً بيانية لصورة أخرى معنوية مماثلة غير مشهودة ولا مدّركة، فالقرآن الكريم في قَسَمِهِ بالصبح إذا أسفر وإذا تنفس والنهار إذا تجلى والليل إذا عسعس وإذا يغشى وإذا أدبر، يجلو معاني من الهدى والحق أو الضلال والباطل بماديات من النور والظلمة، وهذا هو البيان للمعنوي بالحسي كما تقول بنت الشاطئ ((1) وقد تنبه الرازي قديماً إلى مثل هذا حين قال متحدثاً عن قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (الضحى: 1 - 3): كأنه تعالى يقول: انظر إلى جوار الليل مع النهار لا يسلم أحدهما عن الآخر بل الليل تارةً يَغلب وتارةً يُغلب، فكيف تسلم عن الخلق، فمرةً تزداد ساعات الليل ومرةً تزداد ساعات النهار، ومرةً بالعكس. فلا تكون الزيادة ولا النقصان لقلى بل لحكمة وكذا الرسالة وإنزال الوحي بحسب المصالح، فمرةً إنزال ومرةً حبس فلا كان الإنزال عن هوى ولا كان الحبس عن قلى ((2)) وكذلك تنبه ابن القيم إلى مثل هذا حين قال (فتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل للمقسم عليه وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسة) ((3))، وذهب محمد عبده إلى قريب هذا إذ ذهب إلى أن في القسم إشارة إلى أنَ ما كان من سطوع الوحي على قلبه أوّل مرة بمنزلة الضحى تقوى به الحياة وتنمو الناميات وما عرض بعد ذلك فهو بمنزلة الليل إذا سكن لتستريح فيه القوى ولتستعد فيه النفوس لما يستقبلها من العمل ((4))، فهناك إذن تقابل بين صورٍ حسية كل منها يقابل صوراً معنوية، فالتقابل في سورة الضحى صورة مادية وواقع حسي يشهد به الناس في كل يومٍ تألق الضوء في ضحوة النهار، ثم فتور الليل إذا سجا وسكن دون أن يختل نظام الكون أو يكون في توارد الحالين عليه ما يبعث على إنكارٍ بل دون أن يخطر على بال أحدٍ أن السماء قد تخلت عن الأرض أو أسلمتها إلى الظلمة والوحشة بعد تألق الضوء في ضحى النهار، فأيّ عجبٍ في أن يجيء بعد أنس الوحي وتجلي نوره على الرسول (صلى الله عليه وسلم) مدّة سكونٍ يفتر فيها الوحي على نحو ما نشهد من الليل الساجي يوافي بعد الضحى المتألق ((5)). هذه العلاقات في التقابل هي ما وضحه أحد الباحثين لما ذهب إلى أن الدلالات الناتجة من التقابل تمر بمرحلتين متصلتين: الأولى هي الدلالة الناتجة من أطراف التقابلات والتخالفات والتماثلات، وهي دلالة محصورة في مفرداتها، ويمكننا كما يقول أن نطلق عليها الدلالة الاستدعائية، أما المرحلة الثانية فهي الدلالة الناتجة عن علاقة وحداتها بالسياق الكلي الذي وقعت فيه، ويمكننا أن نسمي هذه المرحلة بالدلالة السياقية، ومن خلال هاتين المرحلتين نستطيع أن نخرج بدلالات حقيقية لها في النص المدروس، فالوحدات التعبيرية إذن هي الأساس الذي يمكننا أن ننطلق منه لتحديد الدلالات الاستدعائية ومن ثم نتجه إلى السياق للكشف عن شبكة العلاقات التي يفرضها السياق بالتواصل مع الوحدات التعبيرية لينتج بالتالي الدلالات السياقية ((6) قال تعالى: (هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيءٍ قدير .. ) (الحديد: 3) فهنا نوعٌ من المقابلة يرد في القرآن، ظاهرعلاقة بناه التضاد غير أن هذا التضاد ليس علاقة تبرز بها صفة أحد المتقابلين، وإنما ظاهر التضاد هنا يشكل كمالاً في الصفة، فكأنه هنا من باب (جمع النقيضين) فهذه صفات تكمل إحداهما الأخرى، فـ (الظاهر خلاف الباطن، فالله ظاهر باطن، هو باطن لأنه غير مشاهد كما تشاهد الأشياء المخلوقة عزّ عن ذلك وعلا، وهو ظاهر بالدلائل الدالة عليه وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عزَ وجلّ عن ذلك) ((7))، وفي تقابل هذه الأسماء الأربعة تكامل من حيث علاقاتها الضدية فيما بينها، إذ إن مدارها (

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير