تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تفسير خَلَفِ السجستاني (ت399هـ):تَجرِبةٌ قَديِمَةٌ للتفسير الموسوعيِّ الجماعي

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Mar 2006, 06:14 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

حَفَلت الحضارةُ الإسلاميةُ على امتدادها طولاً وعرضاً على مساحات واسعة من الأرض والتاريخ بصنوف أعاجيب الهمم العالية، والتصانيف المدهشة، وقد انصرفت عناية العلماء والأمراء إلى القرآن وخدمته انصرافاً ظاهراً في عهود الإسلام الزاهرة. ومنذ زمنٍ قرأت في ترجمة أحد ملوك سجستان (1)، وهو خَلَفُ بنُ أَحْمد بن مُحمَّد بن الليث السِّجستاني المولود سنة 326 هـ والمتوفى مسجوناً سنة 399هـ أنه قد جَمعَ عدداً من العلماء والباحثين في دارٍ للبحث العلمي يشرف هو بنفسه عليها، لتصنيف تفسير موسوعي شامل للقرآن الكريم.

وقد وصفه أهل التراجم بالعلم ومحبته ومحبة أهله، فقال ابن الأثير في ترجمته في حوادث سنة 393هـ: (وكان خَلَفُ مشهوراً بطلبِ العلمِ، وجَمعِ العُلماءِ) وقال الذهبي في ترجَمتهِ: (المَلِكُ المُحدِّثُ، صاحبُ سِجستان خَلَفُ بن أحمد بن محمد بن الليث السجستاني الفقيهُ، مِنْ جِلَّةِ المُلوكِ، لَهُ إِفضالٌ كثيرٌ على أهل العلم مولده في سنة ست وعشرين وثلاث مئة، وسَمِع من مُحمَّد بن علي الماليني صاحب عثمان بن سعيد الدارمي، ومن عبد الله بن محمد الفاكهي المكي، وأبي علي بن الصواف، وعلي بن بندار الصوفي. روى عنه أبو عبد الله الحاكم، وأبو يعلى بن الصابوني، وطائفةٌ، وانتخب عليه الدارقطني، وامتدت دولتهُ، ثُمَّ حاصره السلطان محمود بن سبكتكين في سنة ثلاث وتسعين، وآذاه، وضيَّقَ عليه، فنَزَل بالأمان إليه فبعثه مكرماً في هيئةٍ جيدةٍ إلى الجوزجان، ثُمَّ بعد أربع سنين وُصِفَ للسلطان أَنَّهُ يُكاتب سلطانَ ما وراء النهر أيلك خان فضيق عليه) [سير أعلام النبلاء 17/ 117]. وقال ابن كثير في ترجمته: (وخَلَفُ بن أحمد كان أميراً على سِجستان، وكان عالِماً). [البداية والنهاية 354هـ]

* قصة تصنيف التفسير الموسوعي:

بعد توليه ملك سجستان بعد عام 350 من الهجرة، رأى الملكُ العالمُ خلفُ السجستاني كثرةَ ما نُقِلَ وصُنِّفَ حتى زمانهِ من تفاسير القرآن، وما استجدَّ من العلوم المتعلقة به، فبدا له أن يصنف تفسيراً موسوعياً يشتمل على كل ما قيل في تفسير القرآن، مع ترتيبه وتهذيبه، وتبويبه على خطة علمية محكمةٍ، استشار في وضعها العلماء في وقته، ثم شرع في مشروعه العلمي الكبير الذي لم يصنعه قبله أحدٌ لطوله، وكلفته المالية العالية. وربما يضاف إلى ذلك ضعف الهمم عن كتابته وتحصيله.

وفكرةُ تصنيف تفسيرٍ جامعٍ للقرآن لا يَدَعُ شيئاً إلا أتى عليه خَطَرَتْ لكثيرٍ من العلماء والباحثين قديماً وحديثاً (2)، ولعلَّ مِنْ أولِ من فَكَّر في هذا الأمر الإمامُ الطبريُّ عندما قال لطلابه: هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مِمَّا تفنى الأعمارُ قبلَ تَمامهِ، فاختصره فى نَحو ثلاثةِ آلافِ ورقة. وكذلك قال لهم فى التاريخ، فأَجابوه بِمثلِ جوابِ التفسير.

وقد كان الملك خلف موصوفاً بالجود والكرم، والعلم وحب العلماء، يقول الذهبي: (وكان في أَيَّامهِ مَلِكاً، جَواداً، مَغشيَّ الجنابِ، مُفضِلاً، مُحسناً، مُمَدَّحاً، جَمَع عِدَّةً من الأئمةِ على تأليفِ تفسيرٍ عَظيمٍٍ، حَاوٍ لأقوالِ المُفسِّرينَ، والقُرَّاءِ، والنُّحاةِ، والمُحدِّثينَ. فقال أبو النضر في كتاب (اليميني): (بلغني أَنَّهُ أَنفق عليهم في أسبوعٍ عشرين ألف دينارٍ، قال: والنُّسخةُ به بنيسابور تستغرقُ عُمْرَ الناسخِ).سير أعلام النبلاء 17/ 117

ويحدثنا المؤرخ أبو نصر العتبي عن هذا الكتاب ومكان وجوده في وقته فيقول: (وقد كان – يعني خَلفَ بنَ أحمد – جَمَعَ العلماءَ على تصنيفِ كتابٍ في تفسير كتاب الله تعالى، لم يُغادِر فيه حرفاً من أقاويل المفسرين، وتأويل المتأولين، ونُكَتِ المُذكِّرين، وأَتبعَ ذلك بوجوه القراءاتِ، وعِللِ النَّحوِ والتصريفِ، وعلامات التذكير والتأنيث، ووشَّحها بِما رواهُ عن الثقات الأثبات من الحديث. وبلغني أَنَّه أَنفقَ عليهم مدةَ اشتغالِهم بِمعونتهِ على جَمعِه، وتصنيفهِ عشرين ألف دينارٍ، ونسختها بنيسابور في مدرسة الصابونية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير