تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[... وقد عمت البلوى في سوء فهم مصطلح "منهج"]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[31 Mar 2006, 06:56 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله:

المصطلحات-كما وصفت بحق- مفاتيح العلوم .. وليس يرجى لمن لم يهضمها أن يلج إلى داخل العلم المقصود فضلا عن أن يخبر مسالكه ومساربه ... لكن هذا الجاهل –مع ذلك-أفضل حالا من صنوه الذي يعالج قفل علم ما بمفتاح غير ملائم:فالأول محروم من الدخول فقط، لكن الثاني أفسد القفل فمنع نفسه من الدخول ومنع غيره منه أو صعب عليهم ما كان ميسورا لولا سوء فعله.

وقد عمت البلوى في سوء فهم مصطلح "منهج" واستعماله في غير موضعه المحدد له من قبل فقهاء العلم .. فاشتدت الحاجة إلى الكشف عن مدلوله الصحيح خاصة وأن هذا المصطلح يتركب مع ألقاب علوم شرعية جليلة فيخشى أن ينتقل سوء الفهم من الجزء إلى الكل وتلك بلبلة غير محمودة العاقبة ...

قبل ذلك أرى من اللازم التنبيه على أن محل اشتغالنا على مصطلح منهج محدد في فضاء فقه العلم وحده ولا شأن لنا بالاستعمالات العمومية الأخرى .... بل ما نكتب هذا الكلام إلا للتنديد بمن لا يفرق بين الخاص والعام ومنهم مؤطرون أكاديميون مع الأسف.

إن عبارات:"المنهج النفسي في التفسير" أو "المنهج الإجتماعي في التفسير" أو "المنهج التاريخي في التفسير" أو" المنهج الحركي في التفسير " ..... هذه وأضرابها في الاستعمال العام قد يقصدون بها على التوالي: الكشف عن خبايا النفس الإنسانية في القرآن أو رصد قوانين السيرورة الاجتماعية وقواعد النهوض والسقوط أو تتبع تعاقب الأمم على سطح التاريخ ووجه الارض .. أو استنباط جدولة للعمل السياسي من الآيات الكريمة ... لكن هذه العبارات عند فقهاء العلم لا تدل على شيء إلا أن تكون الدلالة على خلط شنيع بين أمرين متقابلين هما: المنهج والموضوع.

فمن يقول:"المنهج النفسي في التفسير" فهو يعني بالمنهج-لا محالة- الموضوع .... بمعنى أنه سيبحث في موضوع نفس الإنسان كما دلت عليها الكلمات والآيات، وهذا لا شيء عليه ..... لكنه لو عنى بالمنهج مدلول" المنهج" عند فقهاء العلم لسقط في الهرطقة والإلحاد ...

كيف ذلك؟

علم النفس التحليلي مثلا-عند فرويد وشيعته-يستند إلى مسلمة عندهم مفادها أن السلوك اللغوي في جوهره ليس إنتاجا خالصا للعقل أو الوعي بل يتخلله إنتاج لا يستهان به للاشعور الذي يعبر عن نفسه بسرية تامة .... ولهم مثالهم المضروب عندهم من جبل الجليد الذي يخفى منه أكثر مما يظهر أضعافا مضاعفة .....

ولما استقرت عندهم هذه الثنائية (باطن /ظاهر) تأسس عندهم منهج بآليات مخصوصة يوظفونها للنفاذ إلى غور اللاشعور واستنطاق الظاهر ليشي لهم بالباطن .... واستعملوا هذا المنهج في تحليل الشعر والنثر والصورة .... وأشاعوا أن المتكلم في كل ذلك ليس هو الشاعر أو الرسام بل هو اللاشعور الكامن فيهما والمعبر عنه بصيغة ضمير الغائب المنفصل ال"هو".

ولنا الآن أن نتصور حجم الهول لو نقل هذا المنهج بمعناه التقني إلى حمى القرآن ...

والمتكلم بالقرآن هو رب العالمين ..... !!!

وإنما ضربت هذا المثل لتنبيه من تستهويه المناهج الجديدة ويعتقد-عن حسن نية- أنه لو نقلها إلى تفسير القرآن لتم بها الكشف عما لم يكتشفه الأولون ... وقد ألمحنا في مناسبة سابقة إلى مكر محمد أركون ودعوته إلى إعادة النظر في مناهج التفسير "العتيقة" زاعما أن اصطناع المناهج الحديثة في اللغة والانتربوبوجيا هو سبيل المسلمين للتجديد والدخول في العصر .... ولو تصورنا لحظة واحدة - بدون انبهار- ما يدعو إليه أركون لأدركنا نية هذا الحداثي المستشرق:

مناهج الانتربوبوجيا صالحة لتحليل وتفسير الأساطير البشرية.

مناهج الانتربوبوجيا ستصلح لتحليل وتفسير القرآن.

إذن ....... !!!

أليس هذا هو عين قول الكافرين القدامى عن القرآن: أساطير الأولين.

أما تسمية بعض الأفاضل المنهج الاجتماعي في التفسير فهو خطأ آخر من المنظور المختار .. وآية ذلك أن علم الاجتماع –وهو المراد عندهم هنا -هو نفسه مسبوق بالمنهج ومحكوم به فيقال على الوجه الصحيح: المنهج الجدلي .... أو المنهج الاحصائي .. أو المنهج البنيوي في علم الاجتماع .... ولم يسمع قط المنهج الاجتماعي لعلم الاجتماع ....

والخطأ مرة أخرى ناجم عن عدم التمييز بين المنهج والموضوع ...... وهذا أوان رفع الإلتباس:

إعلم أن هاهنا ثلاثة أمور:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير