تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التحقيق في الوقت الذي يتبرأ فيه إبراهيم الخليل من أبيه آزر]

ـ[أحمد القصير]ــــــــ[09 Apr 2006, 10:36 م]ـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114].

وقد اختلف المفسرون في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم الخليل عليه السلام من أبيه آزر على قولين:

الأول: أنه تبرأ منه في الحياة الدنيا لما مات مشركاً.

رُويَ ذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعمرو بن دينار والحكم والضحاك، والأثر عن ابن عباس أخرجه الطبري بسند صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر.

الثاني: أَنَّ التبرأ كائن يوم القيامة حينما ييئس إبراهيم من أبيه بعد مسخه.

رُويَ ذلك عن سعيد بن جبير، وعبيد بن عمير.

انظر: تفسير الطبري (6/ 492 - 493)، وفتح الباري، لابن حجر (8/ 359).

والذي يَظْهُرُ صَوَابُه ـ والله تعالى أعلم ـ أَنَّ تبري إبراهيم من أبيه كائنٌ يوم القيامة، ذلك أَنَّ إبراهيم يطلب لأبيه الشفاعة يوم القيامة ظناً منه أَنَّ ذلك نافعه، فإذا قال الله له: إني حرمت الجنة على الكافرين، ومُسِخَ أبيه ذيخاً علم أَنَّ ذلك غير نافعه، وأنه عدو لله، فيتبرأ منه في الحال.

وهذا الاختيار ليس فيه ما يخالف الظاهر من سياق الآية؛ إذ ليس في الآية ما يدل على أَنَّ هذا التبري كائن في الدنيا، والآية وإنْ رُويَ في تفسيرها عن ابن عباس أَنَّ ذلك كائن في الدنيا إلا أَنَّ الدليل قد دل على خلافه، وسأذكر من الأدلة ما يؤيد كون ذلك في الآخرة:

لقد حكى لنا القرآن الكريم في غير ما موضع قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وبيَّنَ تعالى في عدة مواضع أَنَّ إبراهيم دعا لأبيه واستغفر له، وهذا الاستغفار وقع بعد مفارقته لأبيه واعتزاله له، وهو بعد تلك المفارقة لا يدري ما حال أبيه، وهذا واضح من سياق الآيات الواردة في سورة مريم؛ حيث قال تعالى ـ بعد حكاية للمحاورة التي جرت بينهما ـ: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم:47 - 49].

فقوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} وَعْدٌ من إبراهيم بالاستغفار لأبيه، وقد وفَّى بذلك الوعد حينما هاجر إلى مكة، فإنه دعا لأبيه هناك، وهذا الدعاء والاستغفار وقع منه بعد أنْ وهبه الله تعالى إسماعيل وإسحاق، والذي كان بعد اعتزاله لأبيه، حيث قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:37 - 41]، وهذه الآيات واضحة الدلالة في تأخر استغفار إبراهيم لأبيه، وأنه كان بعد اعتزاله له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير