تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[{و الله غالب على أمره}: قيل: " و الله غالب على أمر نفسه ". [كيف؟]]

ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[01 Apr 2006, 01:17 م]ـ

كثيرا ما قرأت قوله تعالى في سورة يوسف: الآية (21): {وَقَالَ ?لَّذِي ?شْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى? أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذ?لِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ?لأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ?لأَحَادِيثِ وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.

و كنت أفهم المعنى الإجمالي العام لقوله عزَ و جلَ: {و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون}: أنه تعالى ذكره لا راد لقضائه، و لا معقب لحكمه، و إذ1 أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.

سبحانه جلَ شأنه.

- و لكني عندما تأملت القول الكريم و دققت النظر فيه: استوقفني لفظ: " غالب على أمره "، إذ معناه الحرفي و التفصيلي أن (الله غالب على أمر نفسه)،

و لما رجعت إلى كتب التفسير وجدت أن هذا المعنى هو أحد القولين فيها،

و أن الضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى يوسف عليه السلام،

فأشكل عليَ القول بجواز عوده إلى الله تعالى، و أنه غالب على أمر نفسه؟

**********************

- و المعنى الإجمالي العام الذي لا خلاف فيه:

{وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ} أي: (إذا أراد شيئاً، فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه. قال سعيد بن جبير في قوله: {وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ}: أي: فعال لما يشاء. وقوله: {وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} يقول: لا يدرون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد). [تفسير القران الكريم، لابن كثير].

- و جاء قولان في تفسيرها:

2 - في تفسير " انوار التنزيل واسرار التأويل "، للبيضاوي (ت 685 هـ):

{وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ} لا يرده شيء ولا ينازعه فيما يشاء، أو على أمر يوسف أراد به إخوته شيئاً وأراد الله غيره فلم يكن إلا ما أراده. {وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الأمر كله بيده، أو لطائف صنعه وخفايا لطفه).

3 - و كذا في تفسير " مفاتيح الغيب "، التفسير الكبير، للرازي (ت 606 هـ)،

و ذكر فيها أن (غالب على أمر نفسه)، قال:

(ثم قال تعالى: {وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ} وفيه وجهان: الأول: غالب على أمر نفسه لأنه فعال لما يريد لا دافع لقضائه ولا مانع عن حكمه في أرضه وسمائه، والثاني: والله غالب على أمر يوسف، يعني أن انتظام أموره كان إلهياً، وما كان بسعيه وإخوته أرادوا به كل سوء ومكروه والله أراد به الخير، فكان كما أراد الله تعالى ودبر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله. واعلم أن من تأمل في أحوال الدنيا وعجائب أحوالها عرف وتيقن أن الأمر كله لله، وأن قضاء الله غالب).

4 - و كذا فعل القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن "، قال:

({وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ} الهاء راجعة إلى الله تعالى؛ أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له: كُنْ فَيَكُونُ. وقيل: ترجع إلى يوسف؛ أي الله غالب على أمر يوسف يدبّره ويحوطه ولا يكِله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيْدُ كائد. {وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يطلعون على غيبهِ. وقيل: المراد بالأكثر الجميع؛ لأن أحداً لا يعلم الغيب. وقيل: هو مجرى على ظاهره؛ إذ قد يُطلِع من يريد على بعض غيبه. وقيل: المعنى «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ» أن الله غالب على أمره، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقَدَر. وقالت الحكماء في هذه الآية: {وَ?للَّهُ غَالِبٌ عَلَى? أَمْرِهِ} حيث أمره يعقوب ألاّ يقصّ رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قَصّ، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملِكاً وسجدوا بين يديه، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم، و?فتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة، فقال:

{ي?أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ}

[يوسف: 84] ثم تدبّروا أن يكونوا من بعده قوماً صالحين، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروّا عليه حتى أقرّوا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة، وقالوا لأبيهم: «إنَّا كُنَّا خَاطِئِين» ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص (فغلب أمر الله) فلم ينخدع، وقال: «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً» ثم ?حتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم دَبَّرت ?مرأة العزيز أنها إن ?بتدرتْه بالكلام غلبته، فغلب أمر الله حتى قال العزيز:

{وَ?سْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ?لْخَاطِئِين}

[يوسف: 29]، ثم دَبَّر يوسف أن يتخلّص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي، ولبِث يوسف في السجن بِضع سنين).

****************

- هذا ما أشكل عليَ ظاهره، و جوازه في حق الله تعالى،

... و قد استراحت نفسي لاقتصار الإمام الطبري رحمه الله على القول بعودة الضمير- في قوله تعالى: {و الله غالب على أمره} - إلى يوسف عليه السلام،

5 - قال في تفسيره " جامع البيان في تفسير القران ":

(وقوله: {وَاللَّهُ غالِبٌ على أمْرِهِ} يقول تعالى ذكره: والله مستولٍ على أمر يوسف يَسُوسُه ويدبره ويحوطه. والهاء في قوله: على أمْرِهِ عائدة على يوسف.

ورُوى عن سعيد بن جبير في معنى «غالب»، ما:

حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: {وَاللَّهُ غالِبٌ} على أمْرِهِ قال: فعال.

وقوله: {وَلَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ} يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف فباعوه بثمن خسيس، والذي صار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم، لا يعلمون ما الله بيوسف صانع وإليه يوسف من أمره صائر). انتهى

- فأحسب أن هذا هو الأرجح، و الأليق بذات الله عزَ و جلَ.

و الله تعالى أعلم بمراده

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير