تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الدراسات القرآنية الحديثة ... إلى أين تتجه؟]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Apr 2006, 02:55 م]ـ

مقال منقول للكاتب عبدالرحمن الحاج - سوريا

هل نحن مقبلون على ثورة علمية في الدراسات القرآنية؟ سيردُ هذا السؤال ربما للمتتبعين لما كتب من الأبحاث والدراسات القرآنية خلال العقود الأخيرة؛ إذ نقف على نتاج كبير لم يسبق أن ظهر مثله في مدة زمنية مماثلة من قبل، كما أننا لأول مرة أمام تعدد منهجي يخرج عن المناهج التقليدية المألوفة في التفسير ودراسات علوم القرآن، إضافة إلى ذلك نجد أنفسنا أيضاً أمام استخدام لمناهج أجنبية وافدة جديدة ومتنوعة لم تنبت في أرض المعرفة الإسلامية وثقافتها الخصبة، ثم إن هذا النتاج الجديد من الأبحاث والدراسات أسهم فيه غير المسلمين (المستشرقون) بشكل واضح، وذلك بغض النظر عن تقييم ما قدَّموه.

ويعود هذا الاهتمام المتزايد بدراسات القرآن الكريم لدى المسلمين أساساً إلى قضية "النهضة"، التي أصبحت الشاغل الأكبر للفكر الإسلامي خلال القرن ونصف القرن الماضيين، حيث بات مسلماً أن مشروع النهضة الإسلامي يمر من قناة الإصلاح الديني، وكون القرآن الكريم المصدر الأول لكل فكر إسلامي فإن العودة إليه هي حاجة معرفية وتاريخية لتجاوز ثقل الثقافة التاريخية وفهُومها التي تفصل بيننا وبين النص الكريم وتعوق "الفهم الصحيح" للدين، ومن ثمَّ تعوق نهضته. ثم إن دراسة القرآن وتفسيره هي "تقليد" سارت عليه كل حركات الإصلاح الديني والسياسي في تاريخ الحضارة الإسلامية، فكل تفكير بالنهضة لا بد له أن يتخذ موقفاً تجاه النص الكريم وفهماً يسوِّغ رؤيته للحاضر والمستقبل.

أضف إلى ما سبق أن الحاجات المتزايدة للمعرفة الدينية وطريقة عرضها ومقاربتها وفق التطورات المتسارعة لإيقاع العصر الحديث وأطروحاته الفكرية، كل ذلك اضطر المشتغلين في الإصلاح الديني للبحث عن مناهج جديدة قادرة على تقديم رؤية كلية للقرآن وموضوعاته وتاريخه، وقادرة أيضاً على مساعدة المسلمين في مواجهة إشكالاته المعرفية من خلال تقديم تصورات متماسكة منطقياً في فهم القرآن، وعلى مدِّهم بالاطمئنان الكافي لخوض هذا العالم الجديد بقوة ودون خوف، بله الدعوة إلى الإسلام والتبشير بهديه بين العالمين في زمن حضارة الحداثة الغربية الجديدة.

أما الدراسات الاستشراقية فقد كانت موظفة لأغراض إمبريالية؛ إذ نشأت أساساً (بصفتها فرعاً علمياً مستقلاً) لخدمة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي؛ وعندما انتهت الحقبة الكولنيالية (الأولى) لم تعد عموماً كذلك، وبعد أن أصبحت فرعاً علمياً مستقلاً أفرزت كثيراً من الدراسات الجادة (وخصوصاً في مجال الدراسات القرآنية) ذات الأهمية الخاصة لنا، ولكن الأهم في موضوع الدراسات القرآنية الاستشراقية أنها جلبت إلى العالم الإسلامي مناهج جديدة في دراسة القرآن الكريم، وقدمت خدمات جليلة للباحثين المختصين في مجال الفهرسة والتوثيق، ولكنها في المقابل أيضاً جلبت معها كثيراً من الإشكالات والتفسيرات الغريبة، بل و"المطاعن" الجديدة في القرآن، وقد كان لذلك كله أثراً مهمَّاً في تحفيز الدراسات القرآنية الحديثة.

ولكن الدراسات الغربية المعنية بالإسلام الآن تتحول شيئاً فشيئاً نحو الدراسة الأنثربولوجية، فيما يبدو توجه لتصنيف الحضارة الإسلامية ضمن مفهوم "الثقافة" الخاصة بالمجتمعات غير الغربية، ودراسات القرآن الجديدة الآن إذا لم تكن تدرس في إطار الفيلولوجيا التاريخية (مثل دراسة كريستوف لوكسمبورغ Christoph Luxenberg عام 2000) فإنها تصب في توجه الدراسات الأنثربولوجية.

وفي سياق الصراع الأيديولوجي مع الماركسية والاتجاهات العلمانية الحداثية في العالم الإسلامي لجأ بعض المفكرين الماركسيين والحداثيين بدءاً من السبعينيات ـ وتحت ضغط الإحساس بفشل هذه الأيديولوجيات في النفوذ والانتشار في العالم العربي والإسلامي ـ إلى محاولة خلخلة ثقة جمهور المسلمين بالقرآن الكريم، وإعادة تفسير القرآن بما يفضي إلى نتائج تلائم الأيدلوجيا التي يؤمنون بها، وفي كلا الأمرين تم الاستعانة بمناهج جديدة، ضمَّت إلى جانب المناهج الاستشراقية مناهج من العلوم الاجتماعية الغربية الحديثة، ولكن هذه الدراسات والبحوث ـ التي لم تكن نزيهة على الإطلاق ـ لم تستطع أن تحقق هدفها بعد، إلا أنها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير