[عقيدة ابن عطية من خلال تفسيره المحرر الوجيز]
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[12 Jun 2006, 03:05 م]ـ
تمهيد:
للتفسير العقدي للقرآن الكريم أهمية خطيرة، ذلك أنه يلامس جوهر الدين وأساسه الذي ينبني عليه ما يأتي بعده وهو التدين أي الالتزام بتعاليم الدين، وإن الآيات التي نزلت على الرسول e في مكة عالجت أول ما عالجت العقيدة بمحاربة الشرك وعبادة الأوثان ثم إعطاء الأدلة والبراهين على وحدانية الله عز وجل: ألوهية وربوبية، ثم بعد ذلك نزلت آيات الأحكام العملية بالمدينة.
وقد أدى التفسير العقدي في زمن ما من تاريخ الفكر الإسلامي دورا خطيرا، أثر على حياة الناس، أو لم يفتن الناس في دينهم، وعذب من عذب في مسألة خلق القرآن لمجرد عدم مجاراته للمعتزلة في تأويلاتهم، كما أنه –أي التفسير العقدي- قسم المسلمين في الاعتقاد إلى مذاهب شتى: جبرية، معتزلة، حشوية، أشاعرة…
وما كان ليقع ما وقع إلا بسبب اختلاف منهاج التفسير العقدي، خاصة آيات الصفات بين التأويل والإثبات. ثم كذلك التعامل مع السنة النبوية خاصة أخبار الآحاد هي مثبتة للعقيدة أم لا؟
ويبقى أمر آخر لا يقل أهمية في منهج التفسير العقيدي، وهو هل تستشهد للنص أم نستشهد به؟ أي هل ننطلق من النص إلى العقيدة، أم نعتقد رأيا ثم نوظف النص تدعيما واستشهادا؟ وماذا نفعل عندما يخالف النص رأينا، هل نلغي الرأي وننتصر للنص؟ أم نلغي النص وننتصر للرأي؟
طبعا لن أفصل القول في هذا الآن، وإنما سأدرس نموذجا من التفاسير الكبرى في المكتبة الإسلامية، وهو "المحور الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لعبد الحق ابن عطية، سأدرس منهجه في التفسير العقدي، ما موقعه مما ذكرت آنفا؟
منهجي في البحث هو أني جردت آيات الصفات، وآيات العقيدة التي فيها اختلاف بين الفرق الإسلامية، ثم عرضت إلى تفسير ابن عطية لها، وقارنته بما قالته أهم الفرق الإسلامية، كما أدليت بتعليقي عند تفسير كل آية.
أنبه هنا إلى أن كثيرا من العلماء يدخلون الأشاعرة ضمن أهل السنة، للاقتراب الكبير بينهما إلا في آيات الصفات فإن الأشاعرة لم يثبتوا منها إلا سبعة وهي: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، الكلام، السمع والبصر.
كنت أفرق بين الأشاعرة وأهل السنة في المواضيع التي رأيتها ضرورية، أما غيرها أذكر فقط موقف أهل السنة لأن الأشاعرة منهم.
التعريف بالمؤلف وتفسيره:
أبو محمد عبد الحق بن غالب الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب، بن عبد الرحمان، بن غالب، بن عبد الرؤوف، بن تمام، بن عبد الله، بن تمام بن عطية، بن خالد، بن عطية، وهو الداخل إلى الأندلس، بن خالد بن خفاف بن أسلم، ابن مكرم المحاربي، من ولد زيد بن محارب، بن حصفة، بن قيس عيلان من أهل غرناطة ().
ولد بغرناطة سنة 481هـ، وتوفي سنة 546هـ، نشأ في بيئة علمية بالأندلس، وما أدرك ما الأندلس في زمانها، أسرته معروفة بالعلم، فقد درس على أبيه بداية، ثم على شيوخ منهم الفقيه أبو محمد بن غالب القيرواني، والحافظ أبو علي الغساني.
بدأ دراسته بغرناطة، ثم بعدها رحل في طلب العلم إلى قرطبة وإشبيلية، ومرسية ثم بلنسية، لم يرحل إلى المشرق لأنه كان هناك بالأندلس الجهاد ضد النصارى أيام المرابطين.
تولى القضاء بألمرية على عهد المرابطين ().
كان موسوعة في العلم، إذ برع في علم القراءات، واللغة وكان نحويا، وأديبا، وكان فقيها قاضيا، ومفسرا عظيما، ألف كتابا ضخما في التفسير أسماه "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" وهو موضوع الدرس، قال عنه ابن خلدون: "… فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص، وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضح ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى" ().
وقال عنه ابن تيمية: "تفسر ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا، وبحثا، وأبعد عن البدع وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير بن جرير الطبري أصح من هذه كلها" ().
¥