تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ذو القرنين - دراسة تحليلية]

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 Apr 2006, 09:13 ص]ـ

سورة الكهف (من الآية 83 إلى 99).

وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا

السائلون هم من مشركي قريش حتماً، وقد روي أنهم سألوا اليهود عن أسئلة اختص اليهود بمعرفة أجوبتها ليختبروا إن كان محمداً صلى الله عليه وسلم نبيٌ أم لا؟ فكان منها السؤال عن ذي القرنين. وهذا معناه أن ذا القرنين لم يكن الملك اليمني الصعب ذو القرنين. فتاريخ ملوك اليمن معروف و مدون، بينما تاريخ ذي القرنين لم يكن يعرف العرب عنه شيئاً، وإلا ما تجرأ اليهود على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم عن قصته. فهو إن كان من ملوك اليمن، فالعرب أعرف الناس به. والأحاديث التي تذكر معاصرته لإبراهيم عليه السلام كلها موضوعة منكرة، أشبه بالأساطير. وكل ما روي في سبب نزول هذه الآية ضعيف لا يصح. ولم يثبت قط أنه الاسكندر المقدوني الإغريقي. ذلك أن الاسكندر كان وثنياً سفاحاً، تاريخه مكتوب بالتفصيل، بل يذكر كذلك شذوذه الجنسي وعلاقته المحرمة مع أمه. وأول من جاء بهذا الزعم هو رجل مجهول من أهل الكتاب ادعى الإسلام ونقل ذلك عنه ابن إسحاق.

ومن الممكن أن يكون ذو القرنين ملكاً في زمان قديم لا نعرفه، لكن سؤال اليهود عنه يدل على أنه كان معروفاً لديهم. فإذا رجعنا لكتبهم وجدنا في كتاب دانيال نبوءة بمجيء ذي القرنين وسيطرته على الأرض. والقرنين كناية عن مملكتي فارس وميديا (أذربيجان وشمال العراق). وهذا -لو صح- فإنه ينطبق على الملك قوروش الذي احتل بابل وسمح لليهود بالعودة للقدس. وقد امتدت دولته من الشام وتركيا غرباً إلى بلخ شرقاً، ويقال أنها بلغت القفقاز شمالاً. ثم إن قوروش هو الملك الوحيد الذي عرف عنه في التاريخ القديم عدله الشديد. ونجد في كتب اليهود أن عزيراً يصفه بأنه موحد تقي ورع. والزردشتية لم تكن وثنية كل الوقت، بل تم تحريفها تدريجياً كما حصل مع اليهود و النصارى، و الله أعلم. بدأ قوروش بالظهور عام 549 ق. م وسقطت بابل على يده سنة 539 ق. م.

وقد ذكرنا أنه لم يصح شيئاً مرفوعاً يحدد شخصيته. وأصح ما جاء في حديث موقوف أخرجه الطبري في تفسيره قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن القاسم بن أبى بزة، عن أبي الطفيل، قال: سمعت عليا وسألوه عن ذي القرنين أنبيا كان؟ قال: كان عبدا صالحا، أحبّ الله، فأحبه الله، وناصح الله فنصحه، فبعثه الله إلى قومه، فضربوه ضربتين في رأسه، فسمي ذا القرنين، وفيكم اليوم مثله.

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا

أي أتاه الله العلم، ويسر له كل أسباب النصر والقوة والتمكين.

فَأَتْبَعَ سَبَبًا

وفي قراءة متواترة: "فاتَّبع سبباً" أي فسلك طريقاً، وسيأتي أنه للغرب.

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا

الحمأ هو الطين الأسود. وفي قراءات متواترة: عَيْنٍ حامِيَةٍ. أي ساخنة أو دافئة. والعين تطلق على البحر كذلك. والذي يظهر أنه وصل لأقصى غرب آسيا (في غرب تركيا اليوم) حيث رآى الشمس تغرب عند شاطئ بحر إيجة ذي المياه الدافئة، حيث شاطئ البحر طيني أسود. ووجد هناك قوماً كفاراً، فخيره الله بين أن يقتلهم أو يعفو عنهم.

قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا

فاختار ذو القرنين أن يعرض عليهم الإسلام، فمن بقي على الشرك قتله، ومن آمن وعمل صالحاً يفعو عنه.

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا

أي تابع فتوحاته إلى أن وصل إلى شرق سهوب تركستان، وهي آخر ما وصلت إليه الحضارة آنذاك، ووجد هناك قوماً بدائيين ليست لهم بيوت ولا في بلادهم أشجار تمنعهم الشمس. فلما رآى ذلك رجع ليفتح بلاداً آخرى. ويظهر أنه اتجه للقوقاز.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير