2 - قوله تعالى في الحديث القدسي:" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي،وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي، وقال مرة فوض إلي عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" ([17]).
قال القرطبي بعد أن ذكر الحديث: "قسمت الصلاة" يريد الفاتحة وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها، فجعل الثلاث الآيات الأول لنفسه واختص بها تبارك اسمه، ولم يختلف المسلمون فيها، ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده، لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات، ومما يدل على أنها ثلاث قوله "هؤلاء لعبدي"، أخرجه مالك ([18])، ولم يقل هاتان فهذا يدل على أن أنعمت عليهم آية، قال ابن بكير قال مالك: أنعمت عليهم آية ثم الآية السابعة إلى آخرها " ([19]).
3 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبيّ:" كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال فقرأت الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت" ([20]).
4 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب "الحمد لله رب العالمين" ([21])
5 - عن أنس قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ([22])
6 - عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال لي: أي بني محدث إياك والحدث، قال: ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه، قال وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل الحمد لله رب العالمين" ([23])
7 - الاستدلال بعمل أهل المدينة، قال القرطبي: " ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم وهو المعقول، وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ومرت عليه الأزمنة والدهور من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زمان مالك ولم يقرأ أحد فيه قط بسم الله الرحمن الرحيم اتباعا للسنة وهذا يرد أحاديثكم" ([24]).
هذه هي أدلة الطرفين فيما ذهبوا إليه من الإثبات والنفي، وأقوى هذه الأدلة فيما أرى هو ما استدل به أصحاب القول الأول من كتابة الصحابة لها في المصاحف مع حرصهم الشديد على تجريد المصاحف، والأدلة الأخرى معظمها في مسألة قراءة البسملة في الصلاة،والذي أراه أن هناك انفصالا تاما بين ثبوت قرآنية البسملة وقراءتها في الصلاة، وذلك لأن القرآنية لا تثبت إلا بالتواتر أما قراءة شيء في الصلاة سواء أكان قرآنا أو غيره فلا يحتاج لأكثر من صحة النقل فيه، أي إن الظن يكفي فيه. نجد - مثلا -أن المسلمين اتفقوا على مشروعية قراءة التشهد في الصلاة – على خلاف بينهم في وجوبه – مع إجماعهم على أن التشهد ليس من القرآن، وكذلك الحال في الاستعاذة، حيث ذهب الجمهور إلى سنيتها مع اتفاقهم على أنها ليست من القرآن.
وإذا غضضنا النظر عن كون معظم هذه الأدلة في قراءة البسملة في الصلاة، وأن هناك انفصالا بين قراءة شيء في الصلاة وثبوت قرآنيته، فإن هذه الأدلة أخبار آحاد لا ترقى إلى مستوى إثبات قرآنية شيء أو نفيها لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر.
ومن جهة أخرى فإننا نجد أن القراء اختلفوا في قرآنية البسملة في أوائل السور، فقراء مكة والكوفة على أنها قرآن، وقراء المدينة والشام والبصرة على أنها ليست من القرآن ([25]). ومن المعلوم أن هذه القراءات متواترة، لذلك يمكن القول بأن البسملة من القرآن يقينا في قراءة متواترة وليست منه يقينا في قراءة أخرى متواترة أيضا.
¥