لقد كان المؤلفون في هذا العلم، يستفيد اللاحق فيهم من السابق، ويتلافى تقصيره، ويختصر أشياء أسهب فيها غيره، كما يسهب في أمورٍ أجملها، ويضيف أشياء جديدة، مما يجعل المؤَلَّفَ الجديد أكثر دقة وجودة وفائدة من سابقه، وهذا يدل على التطور الملحوظ في هذا المجال.
ومما يدل على ذلك ما قاله ابن قتيبة في كتابه "غريب القرآن":
"وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا أن نختصر، ونكمل، وأن نوضح ونجمل وألا نستشهد على اللفظ المبتذل في كتابنا، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل، وألا نحشو كتابنا بالنحو والحديث والأسانيد، فإنا لو جعلنا ذلك في نقل الحديث لاحتجنا أن نأتي بتفسير السلف ـ رحمة الله عليهم ـ بعينه، ولو أتينا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث".
ومن طرق التأليف التي اتبعها المعاصرون جمع العديد من كتب الغريب وترتيب ألفاظها في كتاب واحد، وهذا ما فعله الشيخ عبد العزيز عز الدين السيروان الذي قام بإعداد "المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن الكريم" انتقى فيها أهم مصادر غريب القرآن، وجمعها في هذا الكتاب وهي:
1ـ تفسير غريب القرآن لابن قتيبة.
2ـ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الغرناطي.
3ـ معجم غريب القرآن لابن عباس. 4ـ كتاب العمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب.
ورتب ذلك كله بحسب المعجم بإعادة كل كلمة إلى جذرها اللغوي ([18]).
الهدف من مفردات غريب القرآن:
أما الهدف من وضع غريب القرآن، فهو تقديم معاني المفردات القرآنية الغريبة للعلماء والأدباء وطلاب العلم. قال الراغب الأصفهاني في مقدمة مفرداته: "إن أول ما يُحتاج أن يُشتَغَل به من علوم القرآن، العلومُ اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيقُ الألفاظ المفردة فتحصيلُ معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه ... وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علمٍ من علوم الشرع، فألفاظ القرآن: هي لبّ كلام العرب وزبدتُه وواسطته وكرائمُه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمِهم، وإليها مَفزعُ الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم ... "
ولقد ذكر شمس الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفى نحو سنة /666/ هـ في كتابه "غريب القرآن" أن طلبة العلم وحملة القرآن سألوه أن يجمع لهم تفسير غريب القرآن فأجاب .... " ([19]).
وكان العلماء يقصدون من تأليفهم وجه الله تعالى، إذ يبدأ كل واحد منهم غالباً بحمد الله والصلاة على رسول الله وصحبه وآله، ويذكر أنه يريد بعمله وجه الله تعالى.
وعلى سبيل المثال، نذكر ما قاله الحافظ العراقي في مقدمة "ألفية غريب القرآن":
الحمد لله أَتمَّ الحمد * على أيادٍ عظمتْ عن عدِّ
وبعدُ فالعبدُ نوى أن يَنْظِما * غريبَ ألفاظ القُران عظما
ثم يقول:
وأرتجي النفعَ به في عاجلِ * وآجلٍ واللهُ ذُخر الآملِ
ويقول في نهاية الألفية:
وكملت عند السويس عائدا * من سفري لفضل ربي حامدا
مصلياً على نبيّ الرحمةِ * فهو شفيعي وهولي وسيلتي ([20])
وهكذا رأينا أهمية كتب غريب القرآن في تفسير ما أشكل من مفردات القرآن، وتقديمها للعلماء والباحثين، كما أننا لاحظنا تطور إعدادها ومنهجها، واهتمام المسلمين بها وتحقيقها وطبعها حتى بلغت طبعات بعضها العشرات، وتجلت لنا وجهة العلماء من تآليفهم، وصدقهم في عملهم، وإتقانهم له.
ثانياً ـ فهارس ألفاظ القرآن ومعاجمها
بعد أن رأينا ما بذله العلماء في الماضي من جهود في تصنيف مفردات غريب القرآن، فإننا سنقف عند جهود العلماء المعاصرين الذين تابعوا الاهتمام بالألفاظ القرآنية، بعد أن طوروا المنهج، وجدَّدوا في الطريقة والغرض، فوضعوا فهارس لألفاظ القرآن، ترشد الطالب إلى مكان الكلمات في آيات القرآن وسوره، ثم وضعوا معاجم لشرح معاني هذه الألفاظ بعد أن تذكر الآيات التي وردت فيها، وأعد بعض العلماء معاجم تخصصية، يتضمن كل معجم منها مفردات ذات موضوع واحد.
لقد تطورت معاجم ألفاظ القرآن في القرن العشرين ومرت بمراحل ثلاث:
1ـ فهارس لألفاظ القرآن وأطراف آياته.
2ـ معاجم لألفاظ القرآن.
3ـ معاجم تخصصية لألفاظ القرآن.
المرحلة الأولى: فهارس ألفاظ القرآن الكريم:
¥