غير أنه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستغفار له، فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إياكم ذم الله ولعن."
وليس غرضنا هنا ان نذكر التاريخ لنحاكمه وانما لنقف على الظروف الموضوعية التي أدت الى الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم. وسواء كان الكلام المسطور في كتب التاريخ قد نطق به معاوية ام لا، فان المؤكد ان هذا الكلام كان ناطقا باسم شريحة معينة من المجتمع ولولا وجود هذه الشريحة لما وجد هذا الكلام. ان الكلام في فتنة عليّ ومعاوية هي مهمة لنا بقدر ما تضفي اضاءات على الظروف الموضوعية التي أدت الى تحريف احاديث الرسول واختلاق الكثير على لسانه, والقرآن الكريم يبرّئه, ومن أصدق من الله حديثا؟؟؟
نكمل فنقول, ان هذا العداء الذي ضجت به كتب الحديث والتاريخ لا ريب انه ايقظ في نفوس الفريقين وخصوصا في فريق اشياع علي بن ابي طالب رضي الله عنه جميع اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخص بني امية اثناء حربهم الطويلة ضد الرسول حتى فتح مكة. ان دور ابي سفيان في محاربة المسلمين لا يخفى فهو قاد حملة الاحزاب ضد الرسول في المدينة وورد ايضا ان ابا سفيان حاول اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخفى من قريب او بعيد ان ابا سفيان كان يترأس حملة الحرب ضد الرسالة الاسلامية حتى فتح مكة ... واننا اذ لا نستبعد ان يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكلم بشيء في حق بني امية أثناء حربهم الضروس ضده في جاهليتهم, الا اننا لا نستبعد ايضا ان يكون هناك افتراءات اضيفت للرسول ضد بني امية. واذا الاحظنا الاحاديث اعلاه مثلا نجد ان الاحاديث رقم 1 و2 و3 و4 و5 موجهة ضد بني امية. وللوقوف امام هذه الاحاديث – والتي لا نريد ان نقف على مدى صحتها الان - اختلقت الفئة المقابلة الاحاديث الواردة في بداية هذا المحور والتي تحوّل اللعنات الى بركات ورحمة وصلوات وقربى, ولعل الحديث الرابع والذي يذكر فيه معاوية: "وأنا أشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما أحد لعنته في الجاهلية ثم دخل في الإسلام فإن لعنتي عليه صلاة وهي له زكاة" تبين الهدف الذي من اجله وضعت هذه الاحاديث كلها, وهي ان تتحول اللعنات التي اطلقها الرسول على كل من حاربه "في الجاهلية" الى صلاة وزكاة. ويبدو ان هذه الصيغة لم تكن كافية فكان لا بد من تقويتها بممارسة نوع من الارهاب الفكري وذلك بزيادة تخرج هذا الحديث الى حدّ يكون فيه خصوصية للرسول فجاء في الاحاديث الواردة في مقدمة البحث الفاظ غاية في الصرامة: "شارطت ربي", "اللهم اني اتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه"، "اشترطت على ربي" ... والعجيب ان كتب الشروح حسبما توفر لنا من مصادر لم تقف عند هذه العبارات ولو باشارة او تعليل وكيف ان الرسول او اي كائن يستطيع ان يشترط على الله – والعباذ بالله. وليس الاشتراط هو الصيغة الوحيدة التي لجأوا اليها فنقرآ في مسند الامام احمد 24696: عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه يدعو حتى إني لأسأم له مما يرفعهما يدعو اللهم فإنما أنا بشر فلا تعذبني بشتم رجل شتمته أو آذيته. ويبدو ان الحديث رقم 11 جاء في سياق الردّ على هذه الاحاديث: " وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت" حيث يؤكّد هذا الحديث على ان اللعنة التي بدرت من رسول الله عليه الصلاة والسلام هي لعنة لا رجوع عنها الى يوم الدين.
ان الاحاديث رقم 4 و12 و13 تشير بشكل واضح الى كيفية استعمال احاديث الاشتراط والعهد حيث كان المطلوب منها ان تكفّ السنة الناس عن استخدام اي قول للرسول في الحرب الدائرة بين عليّ وبني أميّة. وقد يعلّق البعض على صحة الاحاديث الواردة في هذا القسم الاخير, الا اننا نقول انه لا يعنينا هنا ان نثبت صحة هذه الاحاديث الى قائليها, لأن ما يهمنا اكثر هو ان هذه الاحاديث كانت تنطق بلسان الحال الاجتماعي والسياسي الذي لا سبيل الى انكاره: ان احدا لا يستطيع ان ينكر ان هناك معركة وقعت بين عليّ ومعاوية, كما ان احدا لا يستطيع ان ينكر ان بني امية خاضوا حربا في جاهليتهم ضد رسول الله حتى فتح مكة, كما ان احدا من المسلمين لا يستطيع ان ينكر ما اثبته الله لرسوله من الخلق العظيم ... . اننا نستعين بكل هذه العناوين العريضة الغير قابلة للشك او الجدل في اذهان المسلمين لنقول ما نحن بصدد قوله ونحلّل كل هذه الروايات المنسوبة الى الرسول الكريم.
نكمل فنقول: ان كل هذه الاحاديث التي ذكرت ان الرسول كان يلعن ويسبّ أريد لها ان تصبّ في:"فأيما مؤمن لعنته ....... " لذا جاءت هذه الاحاديث مترهلة غير متماسكة لا مع ذاتها ولا مع القرآن الكريم, كما جاءت صيغ العهد فظة غليظة لا تليق بمقام النبوة في دعائها لله عز وجل, كل ذلك يعبّر عن حاجة ملحة في ان يصدق الناس هذا القول, فجاءت مرة بصبغة الشرط وجاءت اخرى بصيغة العهد المؤكّد بعدم الاخلاف.
توضيح اخير:
ما اصبو اليه في هذه السلسلة هو الوقوف على دراسة موضوعية منهجية للحديث النبوي, محاولا تأصيل سنة النبي صلى الله عليه وسلم ... وارجو من القارىء الكريم ان يعلم ان ردّ حديث او اثنين او مئة ليس معناه ردّ سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, فهناك فرق شاسع بين الحديث والسنة, وسوف اقوم بتفصيل ذلك في ابحاث قادمة باذن الله ... كل ما تحتويه سلسلة آية وحديث هو محاولة توفيقية بين الاحاديث والقرآن الكريم من جهة, وبين الاحاديث وظروفها الموضوعية من جهة اخرى ... ولو كنت ممن ينكرون السنة النبوية لما كنت امضي ساعات طوال بين كتب الحديث أفتّش فيها وأقلب ما جاء من آراء ووجهات نظر ..
لذا أرجو ممن يرى ان هناك ما قد غضضت الطرف عنه او اسرفت فيه الا يبخل بالنصيحة, كما ارجو ممن يجد ان هناك أسئلة قد أسأت في الاجابة عنها في البحث ان ينبّه اليها دون اللجوء الى تحويل الابحاث عن مسارها والدخول في معمعة العموميات ... كما انني عندما اذكر التاريخ انما اذكره بما يتناسب مع علاقته بموضوع البحث, فأرجو من الاخوة عدم جرّي الى مواقع خارج موضوع البحث ...