والجواب عن الإشكال الول هو أن الخيرية تارة تكون في الأثقل لكثرة الأجر, وذلك فيما إذا كان الأجر كثيرا جداً, والامتثالُ غير شديد الصعوبة, كنسخ التخيير بين الإطعام والصوم بإيجاب الصوم, فإن في الصوم أجرا كثيرا كما في الحديث القدسي (إلا الصوم فإنه لي وانا أجزي به) والصائمون من خير الصابرين لأنهم صبروا لله عن شهوة بطونهم وفروجهم, والله يقول (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ومشقة الصوم عادية ليس فيها صعوبة شديدة تكون مظنة لعدم القدرة على الامتثال, وإن عرض ما يقتضي ذلك كمرض أو سفر فالتسهيل برخصة الإفطار منصوص عليه بقوله: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر) ..
وتارة تكون الخيرية في الأخف وذلك فيماإذا كان الأثقل المنسوخ شديد الصعوبة بحيث يعسر فيه الامتثال, فإن الأخف يكون خيرا منه, لأن مظنة عدم الامتثال تعرض المكلف للوقوع فيما لا يرضي الله وذلك كقوله (وإن تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله) فلو لم تنسخ المؤاخذة بخطوات القلوب لكان الامتثال صعبا جداً, شاقا على النفوس, لا يكاد يسلم من الإخلال به, إلا من سلمه الله تعالى, فلا شك أن نسخ ذلك بقوله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) خير للمكلف من بقاء ذلك الحكم الشاق, وهكذا ..
والجواب عن الإشكال الثاني: هو ان قوله (أو مثلها) يراد به مماثلة الناسخ والمنسوخ في حد ذاتيهما, فلاينافي ان يكون الناسخ يستلزم فوائد خارجةعن ذاته يكون بها خيرا من المنسوخ, فيكون باعتبار ذاته مماثلاً للمنسوخ, وباعتبار مايستلزمه من الفوائد التي لا توجدفي في المنسوخ خيراً من المنسوخ ..
وإيضاحه أن عامةالمفسرين يمثلون لقوله (أو مثلها) بنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام, فإن هذا الناسخ والمنسوخ بالنظر إلى ذاتيهما متماثلان, لأن كل واحد منهما جهة من الجهات, وهي في حقيقة أنفسها متساوية, فلا ينافي أن يكون الناسخ مشتملاً على حكَم خارجة عن ذاته تصيره خيراً من المنسوخ بذلك الاعتبار, فإن استقبال البيت الحرام تلزمه نتائج متعددة مشار لها في القرآن, ليست موجودة في استقبال بيت المقدس ..
منها: أنه يسقط به احتجاج كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: تزعم انك على ملة إبراهيم ولا تستقبل قبلته؛؛
وتسقط به حجة اليهود بقولهم: تعيب ديننا وتستقبل قبلتَنا, وقبلتُنا من ديننا,؛؛
وتسقط به أيضا حجة علماء اليهود فإنهم عندهم في التوراة: أنه صلى الله عليه وسلمسوف يؤمر باستقبال بيت لمقدس, ثم يؤمر عنه بالتحول إلى استقبال بيت الله الحرام, فلو لم يؤمر بذلك لاحتجوا عليهبما عندهم في التوراة من انه سيحول إلى بيت الله الحرام والفرض انه لم يحول ..
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[30 Sep 2006, 12:52 م]ـ
قال الشيخ رحمه الله:
المسالةالسابعة:
اعلم أن التحقيق هو جواز النسخ قبل التمكن من الفعل .. ؛
فإن قيل: ما الفائدةفي تشريع الحكام أولاً إذا, إذا كان سينسخ قبل التمكن من فعله؟؟
فالجواب: أن الحكمة ابتلاء المكلفين بالعزم على الامتثال, ويوضح هذا أن الله امر إبراهيم أن يذبح ولده, وقد نسخ عنه هذا الحكم بفدائه بذبح عظيم قبل أن يتمكن من الفعل, وبين أن الحكمة في ذلك: الابتلاء بقوله (إن هذا لهو البلاء المبين *وفديناه بذبح عظيم) ,ومن أمثلة النسخ قبل التمكن من الفعل: نسخ خمس وأربعين صلاة ليلة الإسراء, بعد ان فرضتالصلاة خمسين صلاة, كما هو معروف, وقد أشار إلى هذهالمسألة في مراقي السعود بقوله:
والنسخ من قبل وقوع الفعلِ ... جاء وقوعا في صحيح النقلِ
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[13 Oct 2006, 11:58 م]ـ
قال الشيخ رحمنا الله وإياه:
وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف, هو ان يقال: كيف أوقع الإذاقة على اللباس في قوله (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) .. الآية ..
وروى أن ابن الراوندي الزنديق قال لابن الأعرابي إمام اللغة والأديب: هل يذاق اللباس؟؟ يريد الطعن في قوله تعالى (فاذاقها الله لباس الجوع والخوف) الآية , فقال له ابنالأعرابي: لا بأس أيها النسناس؛؛ هب أن محمدا صلى الله عليه وسلم ماكان نبيا .. أما كان عربيا؟؟
قال مقيده عفا الله عنه: والجواب عن هذا السؤال ظاهر, وهو أنه أطلق اسم اللباسعلى ما اصابهم من الخوف والجوع, لأن آثار الخوف والجوع تظهر على أبدانهم, وتحيط بهم كاللباس ..
ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبر به عن آثار الجوع والخوف أوقع عليه اذاقة ,فلا حاجة لما يذكره البيانيون من أنواع الاستعارات في هذه الآية الكريمة ..
وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها (منع جواز المجاز في المنزَّل للتعبد والإعجاز) أنه لا يجوز لأحد أن يقول: إن في القرآن مجازاً, وأوضحنا ذلك بأدلته ,وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازاً أنهأسلوب من أساليب اللغة العربية ..
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[16 Nov 2006, 10:44 ص]ـ
قال الشيخ رحمنا الله وإياه عن تفسيره لآية (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا):
فإن قيل:
إذا كان الرقيق مسلما, فما وجه ملكه بالرّق؟ مع أن سبب الرّق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال؟
فالجواب:
أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء, أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق, والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها, فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي, ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع, وهو الحكيم الخبير, فإذا استقر هذا الحق وثبت, ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقا بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام.
وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه, كما هو معلوم عند العقلاء.
نعم ,يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم, وقد أمر الشارع بذلك ورغب فيه, وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا فسبحان الحكيم الخبير {وتمّت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}
فقوله (صدقا) أي: في الأخبار ,وقوله (عدلاً) أي:في الأحكام, ولا شك أن من ذلك العدل الملك بالرق, وغيره من أحكام القرآن.
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيمِ
¥