تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد ونهى عن الصلاة إلى القبور (1). . فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جهلا وإما عنادا لأهل التوحيد ولم يضرهم ذلك شيئا. وهذا السبب هو الغالب على عوام المشركين.

وأما خواصهم فإنهم اتخذوها - بزعمهم - على صور الكواكب المؤثرة في العالم عندهم وجعلوا لها بيوتا وسدنة وحجابا وحجبا وقربانا ولم يزل هذا في الدنيا قديما وحديثا (ثم بين مواطن بيوت هذه الأصنام وذكر عباد الشمس والقمر وأصنامهم وما اتخذوه من الشرائع حولها ثم قال 2/ 224):

" فوضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته ليكون نائبا منابه وقائما مقامه وإلا فمن المعلوم أن عاقلا لا ينحت خشبة أو حجرا بيده ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده ".

قلت: ومما يؤيد أن المقصود بقوله في الآية المتقدمة (لا يسمعوا دعاءكم} إنما هم المعبودون من دون الله أنفسهم وليست ذوات الأصنام تمام الآية: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} والأصنام لا تبعث لأنها جمادات غير مكلفة كما هو معلوم بخلاف العابدين والمعبودين فإنهم جميعا محشورون قال تعالى: {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول: ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا}. (الفرقان/17 - 18) وقال: {يوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا: سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ /40 - 41)

وهذا كقوله تعالى: {وإذا قال الله: يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} الآية (المائدة/116) وخير ما فسر به القرآن إنما هو القرآن والسنة وليس فيهما - فيما أعلم - ما يدل على أن الله يحشر الجمادات أيضا فوجب الوقوف عند هذه الآية الصريحة فيما ذكرنا.

وقد يقول قائل: إن هذا الذي بينته قوي متين ولكنه يخالف ما جرى عليه كثير من المفسرين في تفسير آية سورة (فاطر) وما في معناها من الآيات الأخرى فقالوا: إن المراد بها الأصنام نفسها وبناء على ذلك عللوا قوله تعالى فيها: {لا يسمعوا دعاءكم} بقولهم: " لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع ".

فأقول: لا شك أن هذا بظاهره ينافي ما بينت ولكنه لا ينفي أن يكون لهم قول آخر يتماشى مع ما حققته فقال القرطبي (14/ 336) عقب التعليل المذكور آنفا وتبعه الشوكاني (4/ 333) وغيره ما معناه:

" ويجوز أن يرجع {والذين تدعون من دونه. . .} وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار كالملائكة والجن والأنبياء والشياطين والمعنى أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم كما أخبر عن عيسى عليه السلام بقوله: {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} ". وقد ذكرا نحوه في تفسير آية (الزمر) المتقدمة.

قلت: وهو أولى من تفسيرهما السابق لأنه مدعم بالآيات المتقدمة بخلاف تفسيرهما المشار إليه فإنه يستلزم القول بحشر الأصنام ذاتها وهذا مع أنه لا دليل عليه فإنه يخالف الآيات المشار إليها ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - في كتابه " قرة عيون الموحدين " (ص 107 - 108) في تفسير آيتي (فاطر) ما نصه:

" ابتدأ تعالى هذه الآيات بقوله: {ذلكم الله ربكم له الملك} يخبر الخبير أن الملك له وحده والملوك وجميع الخلق تحت تصرفه وتدبيره ولهذا قال: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} فإن من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب في طلب نفع أو دفع ضر إلى أحد سوى الله تعالى وتقدس بل يجب إخلاص الدعاء - الذي هو أعظم أنواع العبادة - له وأخبر تعالى أن ما يدعوه أهل الشرك لا يملك شيئا وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولو فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم وأنهم يوم القيامة يفكرون بشركهم أي ينكرونه ويتبرؤون ممن فعله معهم. فهذا الذي أخبر به الخبير الذي {لا يخفى عليه شيء في الأرض

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير