تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على أنه تعالى بعيد عن الرحمة والكرم والعفو وكل ذلك يوجب رجحان جانب الوعد على جانب الوعيد وتاسعها أن هذا الإنسان أتى بما هو أفضل الخيرات وهو الإيمان ولم يأت بما هو أقبح القبائح وهو الكفر بل أتى بالشر الذي هو في طبقة القبائح ليس في الغاية والسيد الذي له عبد ثم أتى عبده بأعظم الطاعات وأتى بمعصية متوسطة فلو رجع المولى تلك المعصية المتوسطة على الطاعة العظيمة لعد ذلك السيد لئيماً مؤذياً فكذا ههنا فلما لم يجز ذلك على الله ثبت أن الرجحان لجانب الوعد وعاشرها قال يحيى بن معاذ الرازي: إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية ساعة ا إلهي لما كان الكفر لا ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العدل أن الإيمان لا يضر معه شيء من المعاصي وإلا فالكفر أعظم من الإيمانا فإن يكن كذلك فلا أقل من رجاء العفو وهو كلام حسن الحادي عشر أنا قد بينا بالدليل أن قوله وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء لا يمكن حمله على الصغيرة ولا على الكبيرة بعد التوبة فلو لم تحمله على الكبيرة قبل التوبة لزم تعطيل الآية أما لو خصصنا عمومات الوعيد بمن يستحلها لم يلزم منه إلا تخصيص العموم ومعلوم أن التخصيص أهون من التعطيل قالت المعتزلة: ترجيح جانب الوعيد أولى من وجوه أولها هو أن الأمة اتفقت على أن الفاسق يلعن ويحد على سبيل التنكيل والعذاب وأنه أهل الخزي وذلك يدل على أنه مستحق للعقاب وإذا كان مستحقاً للعقاب استحال أن يبقى في تلك الحالة مستحقاً للثواب وإذا ثبت هذا كان جانب الوعيد راجحاً على جانب الوعد ".

التفسير الكبير للفخر الرازي 3/ 145.

قال الفخر الرازي: المسألة الأولى ذكروا في الحسنة والسيئة وجوهاً الأول قال المفسرون كانت المدينة مملوءة من النعم وقت مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم فلما ظهر عناد اليهود ونفاق المنافقين أمسك الله عنهم بعض الإمساك كما جرت عادته في جميع الأمم قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء فعند هذا قال اليهود والمنافقون ما رأينا أعظم شؤما من هذا الرجل نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا منذ قدم فقوله تعالى وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يعني الخصب ورخص السعر وتتابع الأمطار قالوا هذا من عند الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ جدب وغلاء سعر قالوا هذا من شؤم محمد وهذا كقوله تعالى فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ " وعن قوم صالح " قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ "

القول الثاني المراد من الحسنة النصر على الأعداء والغنيمة ومن السيئة القتل والهزيمة قال القاضي والقول الأول هو المعتبر لأن إضافة الخصب والغلاء إلى الله وكثرة النعم وقلتها إلى الله جائزة أما إضافة النصر والهزيمة إلى الله فغير جائزة لأن السيئة إذا كانت بمعنى الهزيمة والقتل لم يجز إضافتها إلى الله وأقول القول كما قال على مذهبه أما على مذهبنا فالكل داخل في قضاء الله وقدره.

المسألة الثانية: اعلم أن السيئة تقع على البلية والمعصية والحسنة على النعمة والطاعة قال تعالى وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " وقال إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ " إذا عرفت هذا فنقول قوله وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يفيد العموم في كل الحسنات وكذلك قوله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يفيد العموم في كل السيئات ثم قال بعد ذلك قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ اللَّهِ فهذا تصريح بأن جميع الحسنات والسيئات من الله ولما ثبت بما ذكرنا أن الطاعات والمعاصي داخلتان تحت اسم الحسنة والسيئة كانت الآية دالة على أن جميع الطاعات والمعاصي من الله وهو المطلوب، فان قيل المراد ههنا بالحسنة والسيئة ليس هو الطاعة والمعصية ويدل عليه وجوه الأول اتفاق الكل على أن هذه الآية نازلة في معنى الخصب والجدب فكانت مختصة بهما الثاني أن الحسنة التي يراد بها الخير والطاعة لا يقال فيها أصابتني إنما يقال أصبتها وليس في كلام العرب أصابت فلانا حسنة بمعنى عمل خيرا أو أصابته سيئة بمعنى عمل معصية فعلى هذا لو كان المراد ما ذكرتم لقال ان أصبتم حسنة الثالث لفظ الحسنة واقع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير