تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[شرط الموافقة للعربية في صحة القراءات القرآنية]

ـ[أبو أمجد]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 01:42 ص]ـ

القراءة الصحيحة

وشرط الموافقة للعربية

بقلم: نوري حسن حامد المسلاتي

أستاذ الحديث الشريف والدراسات اللغوية

بجامعة قاريونس – إجدابيا

بسم الله الرحمن الرحيم

نسمع بين الحين والآخر: أن النحو في الكلام ينبغي أن يكون كالملح في الطعام، وأن تعلم القدر الذي يقي من الوقوع في اللحن يكفي، وأن ما وراء ذلك تضييع للوقت، فالعمر قصير لا يفي، وكأن مطلق هذا القول قد نسي أن العربية هي لغة هذا الدين، وخندقه الأمامي الحصين، ففضلها على علومه ظاهر، لا ينكره إلا جاحد أو مكابر، فحجب الله تعالى عنه هدايته، وأعمى بما كسبت يداه بصيرته، فليس يعرف غثا من سمين، ولا يميز هزلا من رصين، فتراه يطالب بالدليل على ما قامت حجته بضرورة الشرع والعقل، وكما قال الشاعر:

ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

فكل علم من علوم الشريعة يفتقر إليها غاية الافتقار: إما في إقامة مسائله واستمدادها، وإما في تمييز سقيم الآراء أو الأخبار من قويها، أو صحيح القراءات من ضعيفها؛ ولذلك ما اهتمت أمة من الأمم بلغتها كما اهتمت هذه الأمة بهذه اللغة، فبذل النحاة واللغويون الجهود المضنية والعظيمة في جمعها وتقصي لهجاتها، فضربوا أكباد الإبل إلى المناطق الموغلة في التبدي واللصيقة بطابعه، لأجل تلك الغاية السامية، فأخذوا اللغة صافية نقية من أفواه من يثقون بلغته، ويرتضون عربيته، وبعد أن تم لهم مرادهم، شرعوا في وصف الظواهر اللغوية بتقعيد القواعد وسنها، ولم يكن ذلك كيفما اتفق، بل كان وفق منهج علمي منظر بدقة محكم الوضع؛ ولذلك فإن تلك القواعد الموضوعة بعناية وفق ما رسم من ذلك المنهج الرصين تعد السراج المنير، الذي يهتدي به العلماء، ويحتكمون إليه _ أحيانا _ في معرفة الأقوال الراجحة والمرجوحة، وفي التمييز بين العقائد القوية الصحيحة من الفاسدة الضعيفة، فلا عجب إذاً ولا غرو إن اشترط أهل كل علم و فن من علوم الشريعة وفنونها: أن تكون العربية ركنا من أركانه، التي يقوم عليها، ويرجع إليها، خاصة فيما يتعلق بإثبات قراءة من قراءات القرآن الكريم؛ فهو بلسان العرب قد نزل، وبه يفهم، يقول الحق تبارك وتعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين* نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* بلسان عربي مبين)، وبه تحدى فصحاءهم وبلغاءهم، فوقفوا أمامه عاجزين حائرين، رغم ما أوتوه من البلاغة والبيان، وتفاخرهم بذلك، وتنافسهم في أيهم أبلغ وأفصح، فما كان لهم من خيار لرده سوى بذل المهج، بدل مقارعته ومحاكاته، وحاول ناس من المولدين، فردوا على أعقابهم خائبين، وهيهات لهم ذلك؛ فهو الكلام الرباني الأزلي، الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، وحاشى لله أن يضاهي كلامُ خلقه كلامه، بل أن يقاربه، فضلا عن أن يجاريه.

ومما يستأنس به على اعتبار العربية شرطا من شروط القراءة الصحيحة: أن أعرابيا قدم إلى المدينة المنورة في زمن أمير المؤمين عمر بن الخطاب، فقال: من يقرئني مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأقرأه رجل (براءة)، فقال:" أن الله بريء من المشركين ورسوله"، بخفض اللام من (رسوله).

فقال الأعرابي: أو قد برئ الله من رسوله؟! إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه!

فبلغ عمر مقالة الأعرابي، فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

فقال: يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرأني هذا سورة براءة، فقال:" إن الله بريء من المشركين ورسولِهِ"، فقلت: أو قد برئ الله من رسوله؟! إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه.

فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي.

قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟

قال: (أن الله بريء من المشركين ورسولُهُ).

فقال الأعرابي: وأنا أبرأ مما برئ الله ورسوله منه.

فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرئ الناس إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع النحو.

وأخذ يأمر الناس بتعلم النحو كما يتعلمون السنن والفرائض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير