وفي الثالثة تحتمل الأمرين: التحقت بالطب محققا رغبة أبي، من أجل تحقيق رغبته.
والله أعلم.
هذا رأي واجتهاد أرجو نقضه أو تأييده.
ـ[شذور الذهب.]ــــــــ[17 - 05 - 2009, 12:30 ص]ـ
إتماما للفائدة أنقل لكم هذا البحث من كلام الأستاذ المفضال (فيصل المنصور) , والله ولي التوفيق:
تُعرَب كلمة (جوعًا) مفعولاً لأجلِه على الراجح. وذلك أنَّ (الجوعَ) هو سببُ الموتِ، أو ما يُسمَّى في المنطقِ (العلَّةَ الغائيَّةَ) له. وأنا أبيِّن إن شاء الله كيفَ كان الجوعُ سببًا، ثم أحقُّ المفعول لأجله أن يكون سببًا، أم حقُّه أن يَّكون مسبَّبًا؟ ولِمَ لا يُعرَب حالاً؟
فأما كونه سببًا، فجليٌّ؛ ولكني أذكرُه ليُستهدَى به إلى ما يُشكِل من الأمثلة الأخرَى؛ فأقول: إنما كان الجوعُ سببًا لأمرينِ لا يتخلَّفان في كلِّ سببٍ؛ أولُهما أنَّ وقوعَ مسبَّبه؛ وهو (الموت) إنما هو متعلِّق بوقوعه؛ فلما وُجِد الجوعُ، وُجِدَ الموتُ. وثانيهما أنَّه متقدِّمٌ عليه في الزَّمَن. وذلك أنَّه لا يكونُ الشيءُ متعلِّقًا وجودُه بآخرَ، حتى يكونَ ذلك الآخَر سابقًا له في الوجودِ، كما تقتضي بذلك البديهة العقليَّة. والجوعُ كما هو معلومٌ سابقٌ للموتِ. وهذا الأمر الثاني لازمٌ من لوازمِ الأوَّلِ. وكلاهما ينبغي أن تتمثَّلهما في نفسِك، وتعرِضَ عليهما ما يرِد عليك من مشتبهِ الكلامِ، وغامضِه؛ فإذا أنت فعلتَ ذلك، ارتفعت عنكَ غِشاوةُ الحُكْم، وسلِمت من غِبِّ العجلةِ، وأمكنك أن تفصِلَ بينَ ما يلتبِس من المسائلِ.
وهذه جملةٌ من الأمثلة نُجري عليها ما قدَّمنا من الكلام، لننظر في صحَّته؛ فمنها قولُه تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif يجعلون أصابعَهم في آذانِهم من الصواعق حذرَ الموت http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ؛ فهل كان الحذرُ سابقًا للفِعل، أم كان الفِعلُ سابقًا للحذرِ؟ لا ريب أنَّ الحذرَ هو السابقُ؛ إذ هو الذي حملَهم على أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم.
وقال تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif . وظاهرٌ أنَّ ابتغاءَه مرضاةَ الله هو الذي جعلَه يفعلُ ذلك؛ فهو إذن سابقٌ له.
ثم قال الشاعرُ:
... لا أقعدُ الجبنَ عن الهيجاءِ ...
وليس أحدٌ يقعد عن الحرب يريدُ بذلك الجبنَ؛ ولكنَّ الجبنَ هو الذي يُقعِد عن الحربِ.
وتقول: (جئتُ رغبةً في التعلم)، وأنت لم تجئ لترغبَ في التعلُّم؛ ولكنَّ الرغبةَ في التعلُّم هي التي جاءت بك؛ فهي سابقةٌ للمجيءِ.
ولا يصِحُّ أن يكونَ الفعلُ أو غيرُه من المتعلقات سابقًا للمفعول لأجله. وإنما وقعَ بعضُهم في هذا التوهُّم لأنَّهم وجدوا نحوَ قوله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذرَ الموت http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ، وجدوا الحذرَ ثابتًا بعد الفعلِ؛ وهو جعلُهم أصابعَهم في آذانهم، فظنُّوا أنَّه مسبَّب، لا سببٌ، وأنَّ الفعلَ هو السابقُ. وتفسيرُ هذا الأمرِ بما تقدَّم من أن الحذرَ – عند التأمُّل – هو الباعث لهم على هذا الفعلِ؛ فهو السابِقُ؛ غيرَ أنه لم يزل مقترنًا بالفعلِ بعد وقوعِه.
ولما كانَ المفعولُ لأجله هو الباعثَ على الفعلِ، كان يجِب أن يكونَ من أفعالِ الباطنِ التي لا تظهر على الجوارحِ، كالخوف، والمحبة، ونحوِها. ومنها الجوعُ؛ فإنَّه فِعلٌ كامنٌ لا تمثِّله الحواسُّ.
ولكن قد يأتي المفعولُ لأجلِه وظاهرُه أنه من أفعال الحواسِّ، ويكون على تقدير مضافٍ محذوفٍ إذا كان معلومًا بالسِّياقِ، كقولِك: (جئتُك ضربَ زيدٍ) تريدُ جئتُك ابتغاء ضربِ زيدٍ. وقد أجاز هذا من النحاة أبو عليّ الفارسيّ؛ وهو الصوابُ، لدليلِ القياس في الحذفِ، ودليل السماعِ؛ كقوله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif ولا تمسكوهنَّ ضِرارًا لتعتدوا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ؛ و (الضِّرار) من أفعال الحواسِّ، لا الباطنِ؛ وإنما ذلك على حذفِ مضافٍ مقدَّر بـ (ابتغاء)؛ فيكون حدّ الكلام (ولا
¥