فهذه أمور قد صرّح بها القرآن الكريم: سجود، وقنوت، وتسبيح، وصلاة .. وهذه كلها عبادات، صادرة من الإنسان، وغير الإنسان! فكل ما في الكون عابد لله تعالى وحده، وإن لم نعلم كيفية هذه (العبادة)، قال تعالى: (وَلَـ?كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). يقول ابن تيمية رحمه الله في جامع الرسائل: "ومذهب أهل السنة أن لله علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وخشية، فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى".
وعلى هذا فإن النظر فيما سبق من آيات يرينا أن هناك قنوتاً عامّاً، وسجوداً عامّاً، وتسبيحاً عامّاً، يشترك فيه كل (من) في السموات والأرض من مخلوقات الله طوعاً وكرهاً. بل إن هذا الكون الموحِّد فطرة ليستنكر الشرك الذي يصدر عن الإنسان ولا يستطيع سماعه وتحمّله، لأنه مخالف لبنيته التي قام عليها، قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا). فجميع الكائنات والخلائق تسّبح بحمد الله وتسجد له وتقنت ..
بل إننا نجد في كتاب الله أن الجبل والشجر والمدر والحجر كل أولئك يسبّحون الله ويخشونه حقّ الخشية. حتى أن الجبال، التي هي من الحجارة، أشفقت في نصّ القرآن العظيم من حمل الأمانة التي حملها الإنسان (إِنَّا عَرَضْنَا ?لأَمَانَةَ .. الآية). وإذا كانت الجبال قد أشفقت لمجرّد العرض عليها، فكيف بها لو أُنزل عليها القرآن؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَـ?ذَا ?لْقُرْآنَ عَلَى? جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ?للَّهِ)؟
ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ إنِّي لأَعْرفُهُ الآنَ"، ورُوي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "قَالَ لِي ثَبِيرٌ: اهْبِطْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ عَلَى ظَهْرِي فَيُعَذّبني اللَّهُ فَنَادَاهُ حِرَاءٌ: "إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ". ورُوي أنه حنّ الجِذْع لصعوده عليه الصلاة والسلام المنبر، ولما أتى الوحي الرسول صلى الله عليه وسلمفي أول المبعث، وانصرف عليه الصلاة والسلام إلى منزله، سلّمت عليه الحِجَارَةُ فكلها كانت تقول: السَّلام عليك يا رسول الله. وقصة ارتجاف جبل أحد حينما صعده النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، معروفة: قال عليه أفضل الصلاة والتسليم: "أثبت أحد فإن عليك نبي وصدّيق وشهيدان". وسواء كان ارتجاف الجبل إشفاقاً أو إجلالاً، فدلّ هذا على أنه تعالى وإن لم ينزّل القرآن على جبل، أنه لو أنزله عليه لرأيته، كما قال تعالى: (خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ?للَّهِ)!
ولِمَ لا؟ وهو الذي تسبّح السماوات السبع والأرض من خشيته وإجلاله؟ ويسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته؟ فليس من الممتنع أصلاً أن ينطق الجماد بإذن الله .. وكلنا سمع بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن يهود في آخر الزمان، ألن يُنطق الله الشجر والحجر؟
والله أعلم
وبارك الله فيكم، ونفع بعلمكم.
مع خالص الحب والتقدير.
ـ[أبومصعب]ــــــــ[08 - 04 - 2006, 08:47 م]ـ
أهلا بالأستاذ الكبير الدكتور أبو محمد الأغر، بارك الله عودتك وأجاب دعوتك وردك إلى مكة سالما غانما، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)
نسأل الله أن يعيد من غاب من الأحباب إنه على كل شيء قدير
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[20 - 04 - 2006, 06:23 ص]ـ
الأستاذ الكبير لؤي وفقه الله وسدده
لئن كان الثعالبي جمع المطربات والمرقصات من الأشعار فإن منثورك هذا أطربني حتى وجدت نفسي في خاتمته أقول:
جادك الغيث إذا الغيث همى
¥