تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مما تقدم من كلام الأستاذ عباس حسن، نقلا عن ابن بري وابن درستويه، نتبين أن تلك الأفعال تستخدم مبنية للمعلوم، وتستخدم مبنية للمجهول، بحسب مقتضى الحال، كما يقول البلاغيون، وليس ثمة فعل ملازم للبناء للمجهول. ولكن الحق على من يتصدى للبحث والتأليف من دون أن يعدَّ له عدته. أما أنا فأقول ما يلي:

الفعل الأول:

((عُنِيَ))

أما الفعل (عُني):فلم يرد له شاهد في القرآن الكريم لا مبنيا للمجهول ولا مبنيا للمعلوم .. ولكن كل مختص بالعربية حقا، يعرف الشاهد النحوي الذي ورد في كتاب (مغني اللبيب) لابن هشام الأنصاري، برقم/ 14 / وهو قول الشاعر:

ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت لا يَعنِيني

صحيح أن موطن الشاهد- عنده- هو جواز عطف الماضي (مضيت) على المضارع (يسبني) أو جواز أن تقع الجملة صفة للمعرف بأل الجنسية .. ولكن شاهدنا فيه هنا هو قوله: (يَعنِيني) قد ورد الفعل بفتح ياء مضارعه لا بضمها، وبكسر ما قبل الآخر لا بفتحه، وهذه هي صيغة المضارع إذا كان مبنيا للمعلوم، وهذا من الشواهد التي يُحتج بها، وليس كلاما من كلام العامة، وهكذا نضع اليد على شاهد من الشواهد اللغوية التي يحتج بها، وفيه الدليل على ورود الفعل المذكور (عَنَى يعنِي) مبنيا للمعلوم.

كما جاء في أساس البلاغة للزمخشري، وهو من هو، وكتابه كتابه، جاء فيه ما يلي: (عُنِيبكذا، واعْتُنِي به، وهو معنِيّ به، ومنه قول سيبويه:"وهُم ببيانِهِ أعنى " و عَنَيْتُ بكلامي كذا أي أردته وقصدته)

والشاهد هنا:

ــ قول سيبويه (أَعْنَى) أي أكثر اعتناء، فهو اسم تفضيل، واسم التفضيل كما يعلم أهل هذا الفن اللغوي الجليل، إنما يشتق من مصدر الفعل المبني للمعلوم، ولا يشتق من المبني للمجهول.

ــ أما قول الزمخشري: (عَنَيت) وهو فعل مبني للمعلوم صراحة، وهذه شهادة عملية من الزمخشري كما شهد في الفعل السابق، بجواز استخدام الفعل المذكور (عنَى) بصيغة البناء للمعلوم، حيث استعمل الفعل المذكور مبنيا للمعلوم صراحة، واستعماله له دليل على صوابه، ولو لم تكن لغة الزمخشري حجة.

وهكذا نتبين بطلان حصر الفعل (عُني) في صيغة المبني للمجهول، ويتضح لنا أيضا، أن هذا الفعل كغيره من أفعال اللغة العربية، يستخدم مبنيا للمعلوم، كما يستخدم مبنيا للمجهول، سواء بسواء، ولكن بحسب مقتضى الحال ودلالة السياق، وبحسب ما يعنيه المتكلم من المعاني، وما يرمي إليه من المقاصد. والله أعلم.

الفعل الثاني:

((زُهِيَ))

وأما الفعل (زُهِيَ) فلم يأت له شاهد في القرآن الكريم ..

وقد جاء في معجم أساس البلاغة للزمخشري قوله: ((زَهَا البئرُ و أزهى، و زَهَتِ الريحُ النباتَ، و زَهَا السراب ُ .. و زُهي فلان بكذا يُزْهَى به، ومعناه: زَهَاهُ الإعجابُ))

وهذه الصيغ " زها و أزهى و زهت " كلها مبنية للمعلوم صراحة، من دون مواربة، مما يدل على أن هذا الفعل ليس ملازما للبناء للمجهول.

حتى إذا ذكر الزمخشري الفعل المبني للمجهول (زُهي) لم يسعه إلا أن يفسره بالفعل المبني للمعلوم زها فيقول: (زُهِي فلان بكذا يُزهى به، ومعناه: زهاه الإعجاب) وزهاه فعل مبني للمعلوم، مما يدل على أصالة استخدام الفعل (زها يزهو) مبنيا للمعلوم.

وبذلك يسقط احتجاج القائلين بملازمته للبناء للمجهول. وإنما هو فعل من الأفعال، يستخدم كغيره بحسب مقتضى الحال، فإما أن يكون فاعله معلوما وإما أن يكون مجهولا ..

الفعل الثالث:

((سُقِط َ))

وأما الفعل (سُقِط َ): فلا أريد التذكير باستخدامنا للفعل (سَقط يَسقط سقوطا) وذلك لكثرة استعماله ودورانه على الألسنة، سواء أكان السقوط من علٍ في مهواة، أم السقوط في امتحان الدراسة أو الحياة. بل أعود إلى الزمخشري في أساس البلاغة، حيث يقول: (سُقِط َ في يدهوأسْقِط َ، وسَقَط َ على المبني للفاعل: ندم، وهومسقوطفي يده، وساقط في يده: نادم))

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير