*******************************
ـ[داوود أبازيد]ــــــــ[08 - 05 - 2006, 08:47 ص]ـ
وعليك السلام يا أخي داوود ..
إضمار الشأن في (كان) وأخواتها لا جدال فيه، وقد استشهد سيبويه على إضمار الشأن في (كاد) بقوله تعالى: (من بعدما كاد تزيغ قلوب فريق منهم) في قراءة من قرأ بالتاء الفوقية. ومما يحمل على ضمير الشأن في كان قوله تعالى: (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه) وقوله تعالى: (وأنه كان يقول سفهينا على الله شططا). وقالت العرب: كان أنت خيرٌ منه.
*******************************
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الدكتور الأغر .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ..
لا جدال في أن اعتباراتك واحتجاجاتك سليمة، ولكنني أبحث من زاوية اخرى .. فأنا أحتج على شواهد سيبويه .. وكنت درست شاهده كما وعدت بالأمس، وكتبت ما يلي، وسأضيف عليه القليل .. استشهد سيبويه بقول العجير السلولي:
إذا مت كان الناسُ صنفان: شامت وآخر مثن ٍ بالذي كنت أصنع
ولدى دراسة الشاهد تبين لي ما يلي:
1. صحيح أن العجير السلولي صاحب البيت أموي يحتج به زمانا، ولكنني لا أعلم إن كان يحتج به قبيلا ومكانا .. ومع هذا فسأعده حجة.
2. روى سيبويه بيت العجير عن راو مجهول حيث قال: "وقد سمعناه ممن يحتج بعربيته"، ولم يسم الراوي. وجهل الراوي يسقط الاحتجاج.
3. روي البيت بوجه آخر هو:
إذا مت كان الناس نصفين: شامت وآخر مثن ٍ بالذي كنت أصنع
وهذه الرواية تسقط الاحتجاج السابق، وهي حجة على القاعدة المطردة. ومن أصول الاحتجاج، كما جاء في الإنصاف في مسائل الخلاف: "إن الدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ".
4. قال سيبويه: لو نصب صنفين لأنث الفعل، والحواب عليه أن (الناس) مؤنث مجازي، فيجوز تأنيث الفعل وتذكيره.
5. واحتج سيبويه بقوله تعالى (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) وقال لو جعل القلوب اسم كاد لأنث الفعل كاد، والجواب عليه كسابقه فالقلوب جمع تكسير، وجموع التكسير مؤنثة مجازية. وقراءة تزيغ دليل على جواز التأنيث والتذكير ..
6. ذكر العكبري هذه الآية وأحال إلى قوله تعالى (ما كان يصنع فرعون) وذكر أوجها، فابتدأ بضمير الشأن، ثم عرج على التنازع ولم يسمه، وهو ما أعتقد به في هذه المسألة، وهو كما يلي:
قلوب: اسم يكاد، وفاعل يزيغ ضمير مستتر يعود إلى قلوب .. وفرعون هو اسم كان، وفاعل يصنع ضمير مستتر يعود على فرعون. فهذا وإن كان متأخرا لفظا فهو متقدم رتبة، وعود الضمير عليه جائز بالإجماع .. وقل مثل ذلك في قام وقعد زيدٌ وأمثاله، على الخلاف المشهور في تفرعاته ..
7. قد يُحمل بيت العجيري، إذا قبلت روايته، على قوله تعالى: (إن هذان لساحران) أو قول الشاعر: (إن أباها وأبا أباها)
8. أضيف: أما ما أنشده أبو زيد في نوادره لعبد قيس بن خفاف البرجمي:
ولا أُنبأن أنّ وجهك شانه**** خموش وإن كان الحميمُ حميمُ
فقوله: وإن كان الحميمُ حميمُ .. يخرج على حد قول الآخر:
لا يكون العيرُ مهراً ******* لا يكون المهرُ مهرُ
حيث رفض الكسائي الرواية وتمت تخطئته في القصة المعروفة .. وكان بإمكان الشاعر أن يقول في صدر البيت: لا يكون العيرُ مهرٌ ليجانس عمل كان ..
9. مربط الفرس في الموضوع: لو جوزنا هذا لما جاز لنا أن نلحِّن أحدا .. فيقولون (إن العالمان مصيبان) أي إن الشأنَ .. و (كان العالمان مصيبان) أي كان الشأنُ .. و (رأيت العالمان مصيبان) أي رأيت الشأنَ .. و (سلمت على عالمان مصيبان) أي على الشأن ِ، ثم لتذهب قواعد اللغة إلى حيث ألقت ..
والخلاصة: إن قواعد المتأخرين أثبت من قواعد المتقدمين، فنحن نسلم للخليل وسيبويه وأمثالهما من الأفذاذ بأوليتهم، وصاحب الأولى لا يلحق كما يقول مثلنا البدوي، ولا يمكن لأحدنا أن يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه، ولكن العلماء بعدهم أدلجوا حتى استقرت القواعد والمصطلحات أيما استقرار .. وأعترف بأنني لم أفهم قول ابن خلدون عن ابن هشام (أنحى من سيبويه) إلا اللحظة، مع أنني أقرؤه منذ ثلث قرن، فهو يرمي إلى أن ابن هشام قد وصل بالنحو إلى مستقر لم يكن على عهد سيبويه .. والحمد لله رب العالمين ..
ـ[أبو محمد المنصور]ــــــــ[08 - 05 - 2006, 09:54 ص]ـ
لله درك من مُعْربٍ، فقد ذكرتني بكلمات سمعناها من شيخنا النحوي الجهبذ محمد محيي الدين عبد الحميد - رحمه الله - وكان جالسا في مكتبة محمد علي صبيح على يسار الداخل وحوله نفر من نوابغ طلابه - كانوا - منهم أخي وصديقي ومعلمي محمد محمود شعبان - رحمه الله - قالها الشيخ تفسيرا لكلمة ابن خلدون، وفحواها: (ما ترونه في كتاب سيبويه ليس هو النحو الذي تجدونه في الألفية وشروحها، فقد كان سيبويه يسجل ما يرويه عن شيوخه الخليل والأخفش وغيرهما ممن سماهم أو لم يسمهم، ويصنف ذلك تحت وصف الأبواب لأن الاصطلاح لم يكن نضج بعد، فلم يكن يقوى على تنويع القول وتخريج الشواهد إذ لم يكن ذلك من وكده وقصده، فكان كتابه سجلا لما يُروى، ثم كان الناس ينظرون في كتاب سيبويه ويقيمون منه صنعة، وثم فرق بين تسجيل وصناعة، حتى ظهر ابن هشام وقد استوى النحو على سوقه وصار صناعة ذات قواعد وأصول فربط ابن هشام بين أقوال قدماء النحاة ومُحدثيهم واستنبط آراءه من وعي راسخ وفهم عميق لأسرار العربية، واتخذ من كل كلام عربي صحيح مصدرا ومُستندا: فكان حقيقا بوصفه أنحى من سيبويه، ورحمة الله عليهم وعلينا أجمعين - أو هكذا قال -، فوالله لكأن كلامه صدى عابر بعد سنين أربعين خلت وكنت عنها ذاهلا.
¥