تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خير الجزاء، والله الموفق.

ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[18 - 05 - 2006, 09:06 م]ـ

يروى أن أبا حيان الأندلسي صاحب البحر المحيط ناظر الشيخ محتجا بسيبويه في مسألة نحوية، وكأنما ليس لأحد أن يعترض على سيبويه فاحتد الشيخ، فقال انفعالا: ما كان سيبويه نبي النحو، ولا كان معصوما بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعا ما تفهمها أنت، وفي رواية أخرى: يفشر سيبويه ليس نبيا للنحو.

ويروى أنه قبل ذلك كان أبو حيان معجبا أيما إعجاب بالشيخ فقال يمدحه:

لما رأينا تقي الدين لاح لنا

داع إلى الله فرد ماله وزَرُ

على محياه من سيما الألي صحبوا

خير البرية نور دونه القمرُ

حبر تسربل منه دهره حبرا

بحر تقاذف من أمواجه الدررُ

كنا نحدث عند حبر يجئ بها

أنت الإمام الذى قد كان يُنتظرُ

فإذا بأبي حيان ينقلب شر منقلب أذى للشيخ وبهتانا عليه، عقابا على فلتة انفعال، ثم تزيا أبو حيان في أن خلافه مع الشيخ كان بسبب مسألة في العقيدة.

وقد شكك د. هادي أحمد فرحان الشجيري في قصة أبي حيان مع الشيخ وذلك في كتابه: الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في استنباط الأحكام الشرعية، ذكر فيه أن الشيخ استدرك على سيبويه في ثلاثين موضعا.

إن تعلقنا بشيخ الإسلام ابن تيمية لا يُحد، لكننا لسنا نقول: إن كلامه منزه لا يرد، فمسائل اللغة تحتمل تباين الانتهاج، وتعارض الاحتجاج.

لقد كانت للشيخ استدراكات على سيبويه مثلما كانت له مقولات تثني على سيبويه، كما جاء في كتاب: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية وتقريراته في النحو والصرف، تأليف ناصر بن حمد الفهد فالشيخ يقول: ليس مثل كتابه، ففيه حكمة كلام العرب، ويقول: كتاب سيبويه مما لا يقدر على مثله عامة الخلق.

أما الآية الكريمة: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69 مريم) فيقول فيها أبو حيان:

وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم الهراء .. وزائدة عن الأعمش {أيهم} بالنصب مفعولاً بلننزعنّ، وهاتان القراءتان تدلان على أن مذهب سيبويه أنه لا يتحتم فيها البناء إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، وقد نقل عنه (أي سيبويه) تحتم البناء وينبغي أن يكون فيه على مذهبه البناء والإعراب.

قال أبو عمرو الجرمي: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحداً يقول لأضربن أيهم قائم بالضم بل بنصبها انتهى.

وقال أبو جعفر النحاس: وما علمت أحداً من النحويين إلاّ وقد خطأ سيبويه، وسمعت أبا إسحاق يعني الزجاج يقول: ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلاّ في موضعين هذا أحدهما

فالتخطئة إن صدرت عن ابن تيمية فهي مسنودة بآراء أعمدة النحو شيوخ سيبويه وكبار النحاة من بعدهم، إلا أن أبا حيان البصري الخطى يختار منحى سيبويه في " أي " فيقول:

والوجه الذي ينساق إليه الذهن ويساعده اللفظ والمعنى هو ما ذهب إليه سيبويه، ومدار ما ذهب إليه في "أي" من الأعراب والبناء هو السماع في الحقيقة، وتعليلات النحويين على ما فيها إنما هي بعيدة الوقوع، وعدم سماع غيره لا يقدح في سماعه فتدبر.

ويقول صاحب أضواء البيان:

واختلف العلماء في وجه رفع «اي» ... فذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن لفظة «أي» موصوله، وأنه مبنية على الضم إذا كانت مضافة وصدر ضير محذوف كما هنا ... ويدل على صحة قول سيبويه رحمه الله قول غسان بن وعلة:

إذا ما لقِيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفْضل

والرواية بضم {أيهم}

وخالف الخليل ويونس وغيرهما سيبويه في «أي» المذكورة. فقال الخليل: إنها في الآية استفهامية محكية بقول مقدر والتقدير: ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال فيه أيهم اشد؛ .... وأما يونس فذهب إلى أنها استفهامية أيضاً؛ لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها بالاستفهام لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب، واحتج لسيبويه على الخليل ويونس ومن تبعهما ببيت غسان بن وعلة المذكور آنفاً، لأن الرواية فيه بضم {أيهم} مع أن حروف الجر، لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعلق على الأصوب، وإن خالف فيه بعضهم ببعض التاويلات.

وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكره بعضهم من أن جميع النحويين غلطوا سيبويه في قوله هذا في «أي» في هذه الآية الكريمة خلاف التحقيق. والعلم عند الله تعالى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير