وفي أخبار أبي القاسم الزجاجي حول هذه المسألة:
وأجود هذه الأقوال في هذا قول سيبويه
وكان الزجاج ممن ناظرهم شيخ الإسلام.
المشهور عند النقلة عن سيبويه أنه قال بجواز البناء، وأن قوله بتحتم البناء كان من بعض النقلة، فمسألة تناقض سيبويه ليست قطعية.
قال ابن عادل:
وقرأ طلحة بن مصرِّف «ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء، وزائدة» عن الأعمش «أيُّهُمْ» نصباً.
فعلى هذه القراءة والتي قبلها ينبغي أن يكون مذهب سيبويه جواز إعرابها وبنائها، وهو المشهور عند النقلة عنه، «وقد نقل عنه» أنَّه يحتم بناءها.
وجاء في تفسير النيسابوري
قال سيبويه: لو جاز «اضرب أيهم» أفضل على الحكاية لجاز «اضرب الفاسق الخبيث» أي الذي يقال له الفاسق الخبيث وهذا باب قلما يصار إليه في سعة الكلام.
وقال ابن هشام:
(لننْزعنَّ من كلِّ شيعةٍ أيُّهم أشدُّ) التقدير: لننزعن الذي هو أشد، قاله سيبويه، وخالفه الكوفيون وجماعة من البصريين؛ لأنهم يرون أن أيّاً الموصولة معربة دائماً كالشرطية والاستفهامية، قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما؛ فإنه يُسَلم أنها تعرب إذا أفردتْ، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟ وقال الجرمي: خرجتُ من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق الى مكة أحداً يقول لأضربنَّ أيُّهم قائم بالضم. وزعم هؤلاء أنها في الآية استفهامية، وأنها مبتدأ، وأشدُّ خبر، ثم اختلفوا في مفعول ننزع، فقال الخليل: محذوف، والتقدير: لننزعنّ الفريقَ الذي يقال فيهم أيهم أشد، وقال يونس: هو الجملة، وعُلِّقتْ ننزع عن العمل كما في (لنعلمَ أيُّ الحزبينِ أحصى) وقال الكسائي والأخفش: كل شيعة، ومن زائدة، وجملة الاستفهام مستأنفة، وذلك على قولهما في جواز زيادة مِنْ في الإيجاب. ويردُّ أقوالهم أن التعليق مختص بأفعال القلوب، وأنه لا يجوز لأضربنَّ الفاسقُ بالرفع بتقدير الذي يقال فيه هو الفاسق، وأنه لم يثبت زيادة منْ في الإيجاب. وقول الشاعر:
إذا ما لقيتَ بني مالك ... فسلِّمْ على أيُّهُم أفضلُ
يُروى بضم أيّ، وحروف الجر لا تعلَّقْ، ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته؛ ولا يستأنف ما بعد الجار.
وجوز الزمخشري وجماعة كونها موصولة مع أن الضمة إعراب؛ فقدّروا متعلق النزع من كل شيعة، وكأنه قيل: لننزعن بعض كل شيعة، ثم قدر أنه سئل: منْ هذا البعض؟ فقيل: هو الذي هو أشد، ثم حذف المبتدآن المكتنفان للموصول، وفيه تعسف ظاهر، ولا أعلمهم استعملوا أيّاً الموصولة مبتدأ،
هذا هو النحو بحر بلا قرار، أما شيخ الإسلام فبحرلا ساحل له
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 05 - 2006, 01:44 ص]ـ
بسم الله
جزاكم الله خيرا أيها الكرام، عبير نور اليقين، وعنقود الزواهر، والأستاذ محمد الجهالين.
وفي نقل الأخ محمد، حفظه الله، عن ابن هشام حكاية للخلاف دون ترجيح، وظاهر كلام ابن هشام، رحمه الله، في "شذور الذهب"، ترجيح مذهب سيبويه، رحمه الله، إذ قدمه عند الكلام على النوع الرابع من المبنيات على الضم إذ يقول:
(واعلم أن أيا الموصولة معربة في جميع حالاتها، إلا في حالة واحدة، فإنها تبنى فيها على الضم ............ )، ثم ذكر شرطي الإضافة وحذف صدر الصلة.
وبعدها أشار إلى الرأي الثاني إشارة عابرة، وذكر من قرأ بالنصب، ومع اختيار سيبويه، رحمه الله، للبناء، إلا أنه لم يعترض على قراءة النصب وقال عنها: وهي لغة جيدة.
وأما الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، فقد رجح في حاشيته "منتهى الأرب" رأي سيبويه، رحمه الله، مطلقا، فقال بعد أن سرد المذاهب المخالفة: (وهذه المذاهب كلها مردودة، والصواب في هذه المسألة ما ذكره المؤلف، أي ابن هشام، وهو مذهب سيبويه رحمه الله)، فكأن الشيخ، رحمه الله، ينسب القول لابن هشام ومن قبله سيبويه، والله أعلم.
بتصرف من منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب ص143، 144.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[19 - 05 - 2006, 01:57 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي جهالين على هذا البحث اللطيف ..
في مسألة اختلاف النقل عن سيبويه كان ينبغي الرجوع للكتاب ففيه القول الفصل فقد علق سيبويه على قراءة النصب في (أيهم):
وهي لغة جيدة، نصبوها كما جروها حين قالوا: امرر على أيِّهم أفضلُ. وإنما الخلاف بين النحويين في توجيه قراءة الضم في (أيهم) حيث ذهب سيبويه إلى أنها مبنية على الضم في محل نصب مفعول بها، وهذا المذهب أسد المذاهب عند جمهور النحويين لأنه لما حذف صدر صلتها وهو العائد إليها أشبهت الغايات المقتطعة عن الإضافة مع نية الإضافة. قال ابن مالك في شرح التسهيل1/ 208 في رد مذهب الخليل بالحكاية ومذهب يونس بالتعليق في آية مريم:
والحجة عليهما قول الشاعر:
إذا ما لقيت بني مالك**** فسلم على أيُّهم أفضلُ
لأن حروف الجر لا تعلَّق ولا يضمر قول بينها وبين معمولها، وإذا بطل التعليق وإضمار القول تعين البناء، إذ لا قائل بخلاف ذلك.
لذلك فإني أشك في أن تكون هذه المسألة مما استدركه شيخ الإسلام على سيبويه كما أشك في رواية النحاس عن الزجاج بأن النحويين كلهم يخطّئون سيبويه فلا أعلم أحدا خطأه، ربما كان يعني نحويي الكوفة، وعلى كل الأحوال لا اعتبار لهذا القول عند التحقيق.
وحبذا أن يتفضل الأخ جهالين بعرض مسألة من المسائل الثلاثين التي استدركها ابن تيمية على سيبويه حتى نتبين حقيقة الأمر فلا أظن أن الشيخ ممن يمكن أن يخطئ سيبويه وهو المعترف بأن أهل كل صنعة أعلم بفنهم من غيرهم حيث يقول:
فإن النحاة أعلم بمراد الخليل وسيبويه من الأطباء، والأطباء أعلم بمراد أبقراط وجالينوس من النحاة، والفقهاء أعلم بمراد الأئمة الأربعة من الأطباء والنحاة، وكل من هذه الطوائف يعلم بالاضطرار من مراد أئمة الفن ما لا يعلمه غيرهم (درء تعارض العقل والنقل1/ 182) وليس الشيخ من النحويين المتخصصين حتى يستدرك على إمام النحاة.
مع التحية الطيبة.
¥