2 - عدم تعصبه لمذهب معين: فلم يكن ابن تيميه فيما عرض له من مسائل الخلاف النحوي متعصباً لمذهب نحوي معين يدافع عنه، إنما كان اختياره في مناصرة الرأي الذي يقصده الدليل، وقد ذكر المؤلف عدة أمثلة تبين ذلك ومن تلك المسائل إضافة الموصوف إلى الصفة، نحو دار الآخرة، حيث أجازه الكوفيون، وذهب البصريون إلى المنع لأن الصفة والموصوف كالشيء الواحد، وقد ذهب ابن تيميه إلى رأي الكوفيين، وذلك لأن المحذوف الذي يقدره نحاة البصرة ليس في اللفظ ما يدل عليه، وأن هذا الأسلوب له نظائر كثيرة في القرآن وكلام العرب.
3 - نقده لآراء من سبقه.
1 - مع سيبويه: ما اشتهر عن ابن تيميه أنه انتقد سيبويه في ثلاثين موضعاًَ في كتابه، وكان هذا سبب الجفوة بين أبي حيان وابن تيميه، والقصة مشهورة وقد شكك المؤلف في صحة القصة لعدة وجوه منها: ضرب ابن تيميه المثل بسيبويه وإمامته في فنه، وتعظيمه لكتاب سيبويه، وأنه لم يؤلف في العربية مثله، وأيضاً ليس هناك ذكر لاسم ابن تيميه رحمه الله في تفسير ابن حيان، إلا بعض الإشارات التي قد تكون عن ابن تيميه في بعض آرائه، وقد تثبت المؤلف من صحة نسبتها لابن تيميه (ص377).
وقد رد ابن تيميه على الزجاج والزمخشري في بعض المسائل النحوية.
4 - حمله النصوص على ظاهرها الذي يوافق المعنى وبعده عن التكلف في التوجيه.
وهذه سمه يمكن إبرازها من خلال:
1 - التقويم والتأخير: حيث أنه يقر أنه من خصائص لغة العرب، ولا ينكره أحد، ولكنه مع ذلك هو خلاف الأصل، فالأصل إبراز الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه، ولا يجوز مخالفة الأصل إلا مع قرينه.
2 - الحذف والتقدير: فإن من محاسن العرب كما يقول ابن تيميه أنها تحذف الكلام ما يدل المذكور عليه إختصاراً أو ايجازاً، ولكن لا يسوغ إدعاء الحذف إلا إذا دل عليه دليل، ومن أمثلة التقديرات المردودة تقدير المعطوف (إن نفعت الذكرى) فالذي عليه المفسرون من السلف والجمهور إن قبلت الذكرى، وما ورد عن تقدير معطوف: إن نفعت وإن لم تنفع فهذا مردود، وتقدير المحذوف الذي يعزز المعنى ويقويه هو المقبول الذي لا خير فيه، أما التقديرات التي لا يقتضيها المعنى فهذا مردود.
5 - اعتماده على المعنى في التوجيه النحوي.
يرى ابن تيميه رحمه الله أن فائدة النحو هو تصحيح المعنى، فالمعنى هو الغاية، وصحة المعنى وقوته حكماً يلجأ إليها عند اختلاف الآراء.
6 - ميله إلى البحث عن أسرار العربية في التعبير.
من الأشياء التي تدل على سعة إطلاع ابن تيميه في علم العربية، هو وقوفه عند قوانينها والإطلاع على ما تحويه من أسرار في التعبير ومن هذه الأسرار:
أولاً / في نظم الكلام: (التقدم والتأخر): حيث يقول إن الابتداء يكون في كل مقام بما يناسبه، فتارة: يقتضي الابتداء بالأعلى، وتارة بالأدنى: ومن الأمثلة التي ذكرها ابن تيميه في الابتداء بالأدنى: قوله تعالى (يوم يفر المرء من أخيه ... الآية) حيث بدأ بذكر الأدنى (الأخ) فلو ذكر الأقرب أولاً (الأب والأم) والزوجة لم يكن في ذكر الأبعد فائدة طائلة.
وغيرها من الأمثلة التي ذكرها المؤلف.
ثانياً / في استعمال (من) الموصولة: مثل قوله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ... ) حيث يقول ابن تيميه: إن القرآن استعمل الإسم الموصول (من)، ولم يستعمل (ما) والسر في هذا الاستعمال (أنه لما اجتمع ما يعقل، وما لا يعقل غلب ما يعقل، وعبر عنه بـ (من) لتكون أبلغ فإنهم مع كونهم من أهل العلم والمعرفة، لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله).
ثالثاً / في إعادة الإسم الظاهر بدل المضمر: مثل قوله تعالى (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير) فما الفائدة من إعادة ذكر لفظ القتال مع أنه يكتفي بضميره، فيجيب ابن تيميه أن ذلك فيه بلاغة بديعية، فلو اكتفى بالمضمر فقال هو كبير، لتوهم اختصاص الحكم بذلك القتال المسؤول عنه، وليس هو ذلك، وإنما هو عام في كل قتال دفع في شهر حرام.
وغيرها من الوقفات البلاغية التي ذكرها المؤلف لشيخ الإسلام.
الفصل السادس: من المباحث النحوية عند ابن تيميه.
¥