فالجار والمجرور "لك" متعلق بخبر مقدم محذوف تقديره: "كائن"، و "العز": مبتدأ مؤخر، ولا إشكال في هذا التقدير، والإشكال في ذكر هذا الكون العام المقدر في آخر الشطر الثاني، فعلام يذكر وقد اتضح المعنى دون الحاجة لذكره، وهو ما حمل النحاة على اعتبار هذا البيت شاذا، خلاف ابن جني الذي أجاز ذكر المتعلق، وإن كان كونا عاما، لأن الأصل هو الذكر، والحذف مع التقدير هو الفرع، فلا يصار إليه ابتداء.
فالجمهور رأوا أن المعنى قد تم فذكر المتعلق لا يفيد أي معنى جديد، وابن جني نظر إلى الأمر من جهة التركيب اللغوي، فرأى أن ذكر المتعلق لن يضر من جهة صياغة الجملة لأنه الأصل، كما تقدم.
وأما الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، فقد ارتضى التفريق بين: الكون العام، كقولك: محمد في الدار، فلا يذكر المتعلق لأن ذكره في هذه الحالة عبث، لوضوح المعنى بدونه، فلا تحتاج أن تقول: محمد كائن في الدار ليفهم المستمع أنك تقصد أنه مستقر بذاته في الدار.
بتصرف من "منحة الجليل"، (1/ 175، 176).
والكون الخاص: وهو الذي يفيد معنى زائدا على مجرد الحصول والاستقرار، كما في قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده)، فـ "مستقرا" هنا أفاد معنى زائدا على مجرد حصوله بين يديه، فالمعنى: فلما رآه ثابتا كأنه كان موجودا أمام عينيه من أول الأمر، من سرعة ما جيء به إليه، فلا يكون معنى: (فلما رآه مستقرا عنده)، كـ (فلما رآه عنده)، لذا حسن ذكر المتعلق هنا، وقد حمل الشيخ محيي الدين، رحمه الله، ذكر المتعلق في البيت السابق على أنه من قبيل ذكر الكون الخاص الذي لا يتم المعنى بدونه.
فضابط الأمر هو اكتمال المعنى في ذهن السامع، كما في خبر "لولا" على سبيل المثال، فهو يوضح مسألة الكون، عامه وخاصه، أكثر:
ففي: لولا الله ما اهتدينا، لا نحتاج إلى ذكر الخبر، بل إنه يحذف وجوبا، لدلالة المبتدأ عليه، فالمعنى: لولا الله موجود ما اهتدينا، والكون العام "موجود" لا حاجة لذكره لاستقرار معناه في ذهن كل سامع، ولو قدرناه بـ "هدانا"، على سبيل المثال، صار ذكره، أيضا، زيادة لا حاجة لذكرها، لدلالة ما بعدها "ما اهتدينا"، عليها لأن فيه معنى الهداية المستفاد منها، فسد مسدها.
وأما في قوله صلى الله عليه وسلم: لولا قومك حديثو عهد بإسلام ...... ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فـ "الكون" خاص فلم يمنعه صلى الله عليه وسلم من هدم الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، مجرد وجودهم، وإنما منعه كون خاص هو: وجودهم مع كونهم حديثي عهد بإسلام.
مستفاد من شرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لـ "أوضح المسالك"، لابن هشام رحمه الله.
وأما في مثل قول أبي الطيب:
ولم أر في عيوب الناس شيئا ******* كنقص القادرين على التمام
فمتعلق "في عيوب الناس": الحال "كائنا" المقدمة على صاحبها النكرة "شيئا"، محذوف، وذكره لن يضيف أي معنى جديد، بل هو، كما سبق، ضرب من العبث، فأي معنى جديد في: ولم أر كائنا في عيوب الناس شيئا؟
وهكذا يخضع الأمر للمعنى
والله أعلى وأعلم.
ـ[بيان محمد]ــــــــ[26 - 07 - 2006, 05:49 م]ـ
بورك فيك أخي بيان .. ولكن ألا ترى بأنه يمكن القول بأن الشاعر ما زال يمسك بذلك العهد رغم طول الأمد .. ليس بالضروري أن تكون الأسنان والأضراس كناية عن التمسك بالعهد .. فقد يجوز أن أقول لك: ما زلت أمسك بذلك العهد رغم مرور الزمن الذي أودى بأسناني وأضراسي ..
ثم إن هذا الشاهد المتواضع أوردته من إحدى قصائدي لأن الذاكرة لم تسعفني للاستشهاد بأشعار الكبار .. (والمعنى في بطن الشاعر) (:
السلام عليكم
إذا كنت أخي إكليل صاحب هذا البيت، فأنا أعتذر عن تأويلي البيت بما لا يتناسب مع ما تريد، إلا أنني أصرُّ على إجابتي لأنني أظنُّ أنّك في مقتبل العمر، ولم تتهدم منك أسنانٌ ولا أضراسُ.:p