تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النّحاة العرب وسبلهم في التأليف ـــ محمّد وليد حافظ

ـ[أم هشام]ــــــــ[15 - 08 - 2006, 02:31 ص]ـ

يدهش الباحث حين يفتح كشف الظنون على مادة "ألفية ابن مالك" مثلاً، فيجد لها زهاء سبعين خادماً بين شارح ومحشٍ وناظم وشارح شواهد. ويزداد دهشة حين يجد لكافية ابن الحاجب في النحو مئة من الخدمة، بل إن للآجرّومية، وهي الأخرى من مقدمات النحو، ما يزيد على أربعين شرحاً وحاشية في المكتبة الظاهرية وحدها.

هاجم ابن خلدون هذه الظاهرة، أعني ظاهرة كثرة التآليف هجوماً عنيفاً، قال "اعلم أنه مما أضرّ الناس في تحصيل العلوم كثرة التآليف، واختلاف اصطلاحات التعليم، وتعدد طرقها" (1) وهاجمها كذلك المرحوم أحمد أمين الذي عدّ كل ما أُلف في النحو تكراراً لكتاب سيبويه الذي "كان من القوة بحيث كان المرجع في العالم الإسلامي من تاريخ تأليفه. وكل ما فعله الناس أنهم شرحوا غامضاً، أو اختصروا مطوّلاً، أو بسّطوا معضلاً، أما الأسس التي بني عليها الكتاب فبقيت كما هي في النحو والصرف إلى اليوم، من عهد شرح السيرافي لكتاب سيبويه إلى "النحو الواضح" للمرحوم الجارم بك" (2).

وعزا المرحوم أحمد أمين هذه الظاهرة إلى أن النحو العربي ظل متأثراً طوال حياته بنظرية العامل التي قدمها سيبويه في كتابه، فالفاعل مرفوع بالفعل، والمفعول به منصوب بالفعل. وإذا لم يوجد عامل ظاهر قدر عامل مستتر. ولم يستطع ابن جني –392هـ وابن مضاء الأندلسي- 593هـ تحرير النحو من هذه النظرية (3).

وقد أجمل صاحب كشف الظنون أنواع التآليف فيما يلي، وهي أنواع تنطبق على عالم النحو:

1 - مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس مسائل ينتفع بها المنتهي للاستحضار، وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء.

2 - مبسوطات تقابل المختصرات، وهذه ينتفع بها للمطالعة.

3 - متوسطات، وهذه نفعها عام للمبتدئ والمتوسط والمنتهي (4).

ونظن ظناً أن صعوبة النسخ وتكاليفه كانت وراء تأليف المختصرات، ثم الاتجاه في القرون المتأخرة إلى تلقين النحو لا إلى تفهيمه، ونظن كذلك أن هذه المختصرات اشتغل بها المعلمون، يستعينون بها في استحضار أفكار الموضوع، ويشرحونها لطلابهم شروح المختصرات المتخذة كتباً تعليمية، كألفية ابن مالك والمقدمة الآجرومية.

هاجم ابن خلدون هذه المختصرات موضحاً أضرارها، قال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها، وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه خلطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، هو لم يستعد لقبولها بعد. وهو من سوء التعليم كما سيأتي، ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها، وصعوبة استخراج المسائل منها، لأن ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت. ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة بكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين. وإذا اقتصر عن التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة، فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعباً يقطعهم على تحصيل الملكات النافعة وتمكنها" (5).

وتفهم بسهولة مرامي ابن خلدون من هذا الموقف، وهي:

1 - عدم إرهاق المبتدئ في التعلم بما لا يستطيع فهمه.

2 - عدم إرهاق المبتدئ بتتبع ألفاظ الاختصار، وتضييع وقته.

3 - فائدتها –إن كان لها فائدة- أقل من فائدة المبسوطات.

ويلاحظ أن بعض شارحي الكتب النحوية ألّفوا الأنواع الثلاثة على الكتاب الواحد، وكأنما يراعون مستويات المتعلمين أو يجهزون مذكرات للمعلمين، ومنهم عبد القاهر الجرجاني الشهير بكتابه "دلائل الإعجاز"، فقد ألف ثلاثة شروح لكتاب "الإيضاح في النحو" لأبي علي الفارسي، يقع أوسعها في ثلاثين مجلداً بعنوان "المغني"، وللقارئ أن يتصور صعوبة استعمال هذا المطول، بله اقتناءه. ومنها شروح ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسيني –717هـ على كافية ابن الحاجب.

بل إن معظم أصحاب الأمهات في النحو صنع شرحاً لمختصره، أو اختصر مطوله، أو شرح شواهده، ومنهم:

1 - الزمخشري اختصر "المفصّل" في "الأنموذج".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير