[كلامنا لفظ مفيد كاستقم]
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[30 - 08 - 2006, 09:36 م]ـ
أول المصطلحات التي عرفها ابن مالك في ألفيته هو مصطلح الكلام عندما قال: كلامنا لفظ مفيد كاستقم. وقد أحسن ابن مالك وأجاد إجادة بالغة باختيار الفعل (استقم) مثالاً للفظ المفيد الذي هو الكلام، ومثاله مؤلف من فعل هو (استقم) واسم هو ضمير مستتر في هذا الفعل تقديره (أنت)، وهو الفاعل وبذلك انعقد من الفعل والاسم كلام تام أو لفظ مفيد يحسن السكوت عليه كما يقول النحويون، ووجه الإجادة البالغة في اختيار (استقم) أنه مأخوذ من قوله تعالى: (فاستقم كما أمرت) ومن قوله صلى الله عليه وسلم الذي يعد من جوامع الكلم التي أوتيها الرسول صلى الله عليه وسلم (قل آمنت بالله ثم استقم).
وتمثيل الكلام بالفعل (استقم) مع فاعله المضمر فيه إشارة للمتكلم بالتزام الاستقامة في كلامه، فالإنسان مسؤول عن الكلام الذي يقوله (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، ومن شأن الكلام في كثير من الأحيان أن يجر على صاحبه الآلام والعذاب، وفي الحديث (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) ويختلف الكلام عن القول في أن الكلام هو اللفظ المفيد الذي يحسن السكوت عليه بخلاف القول الذي قد يكون مفيداً وقد يكون غير مفيد، غير أنه قد يراد بالقول الكلام كقوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً) وكقوله تعالى: (قول معروف ... خير من صدقة يتبعها أذى).
ويشترك الكلام مع (الكَلْم) الذي هو الجرح وجمعه كلوم، يشترك معه في أنّ كلا منهما يترك أثراً واضحاً، فالكلام يترك أثراً في النفس، والكلم يترك أثراً في الجسم، غير أن أثر الكلام الموجع على النفوس أكثر إيلاما من الجروح التي تتركها السيوف أو الرماح في الأجساد، فهذه لها التئام وتلك لا التئام لها:
جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان.
ولأن أكثر الكلام إلى الشر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصمت ما لم يكن في الكلام خير بقوله: (فليقل خيراً أو ليصمت).
وكما أن من الكلام ما يجرح ويجرّ على صاحبه وعلى غيره الألم والعذاب ـ فإن منه ما فيه حياة القلوب وروح النفوس، ألا وهو كلام الله تبارك وتعالى، ثم كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فكلام الله فيه الشفاء من أدواء القلوب والنفوس تلاوة وسماعاً، وفي امتثال ما فيه من أوامر ونواهٍ السعادةُ في الدنيا والأخرة، ولذلك كانت الصلاة التي هي الراحة الكبرى للنفوس المؤمنة، عمادها تلاوة كلام الله، وبخاصة فاتحة الكتاب وأم القرآن التي حوت الخير كله من حمد الله تعالى والثناء عليه والإقرار بربوبيته للعالمين ورحمته، وحسابه ليوم الدين، وتوحيده بالتوجه إليه بالعبادة وطلب الاستعانة والهداية للصراط المستقيم الذي سلكه الأنبياء والصالحون الذين أنعم الله عليهم والبعد عما يسخط الله ويؤدي للضلال.
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[31 - 08 - 2006, 12:38 م]ـ
الكريم "الأغر"؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
قراءة طيبة، وعمق عميق، وقهم صائب!!
ـ[عمرمبروك]ــــــــ[31 - 08 - 2006, 02:10 م]ـ
أخي (الأغر) جزاك الله خيراً على هذا التبيان المفيد والربط الجميل بين المعاني.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[31 - 08 - 2006, 02:28 م]ـ
الأخ فريد حفظه الله .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وشكر الله لك مرورك وحسن تعليقك، دمت سالما.
الأخ عمر حفظه الله وجزاك الله خيرا ووفقك لما يحب ويرضى، وسأواصل بإذن الله الربط بين المصطلحات النحوية والقيم الإيمانية والأخلاقية.
مع التحية الطيبة.
ـ[بل الصدى]ــــــــ[22 - 04 - 2009, 01:29 ص]ـ
وسأواصل بإذن الله الربط بين المصطلحات النحوية والقيم الإيمانية والأخلاقية.
و للحديث صلة
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[22 - 04 - 2009, 03:05 ص]ـ
قراءة ذكية ولا أدري إن كان ابن مالك تفطن إليها. ولعلك تضم إلى تقاليب الجذر ملك فالكلام الطيب تملك به القلوب والملوك جديرون بسماع أحسن الكلام والتلفظ بأحسنه. ومتى كان ذلك (كمل) للإنسان ما يتمناه من التوفيق.
ولا زال الله مملكا إياك ناصية الكامل من الكلام ولا زالت ملائكته مصلية عليك وعباده داعية لك بالسلامة من الكلوم.
و welcome كل يوم.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[24 - 04 - 2009, 02:47 ص]ـ
قراءة ذكية ولا أدري إن كان ابن مالك تفطن إليها. ولعلك تضم إلى تقاليب الجذر ملك فالكلام الطيب تملك به القلوب والملوك جديرون بسماع أحسن الكلام والتلفظ بأحسنه. ومتى كان ذلك (كمل) للإنسان ما يتمناه من التوفيق.
ولا زال الله مملكا إياك ناصية الكامل من الكلام ولا زالت ملائكته مصلية عليك وعباده داعية لك بالسلامة من الكلوم.
و welcome كل يوم.
سلمت أخي الحبيب أبا أوس ووفقت لما فيه الخير
أعجبني ربطك الظريف بين ( welcome ) و (كل يوم) ومادة (كلم).
شكرا لكم ..
وشكرا للأستاذة الفاضلة بل الصدى على رفعها لهذا الموضوع، وسأواصل إن شاء الله الحيث عن الشطر الثاني من بداية الألفية: (اسم وفعل ثم حرف الكلم)
¥