[مباحث لغويه (التمييز) 3]
ـ[عمرمبروك]ــــــــ[01 - 09 - 2006, 02:40 م]ـ
معنى التمييز والعامل فيه
الحمد لله رب العالمين ربنا، والصلاة والسلام على رحمة الله تعالى للعالمين نبينا سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلًا بكم معنا في ضوء (المقتضب) للمبرد الذي يعد مقتضبًا من كتاب سيبويه، والذي يعد خلاصة لمباحث جمة في علم العربية، والمبرد ويروي فيه المبرد أي: على صيغة اسم الفاعل والمفعول.
هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبري -رحمه الله تعالى- بن مالك بن الحارث من أَسْلم، وهو شيخ العربية بعد سيبويه بلا جدال، وأول شيوخه بلا جدال أيضًا هو سيبويه، والذين ترجموا له قالوا: إنه ولد في السنة العاشرة بعد المائة الثانية، وقد يطفو سؤال هنا ويأتي مسرعًا ويكون نصه: كيف إنه وُلد بعد موت سيبويه بنحو ثلاثين عامًا ونقول: إن أول شيوخه سيبويه؟!
والجواب عن ذلك يسير، وهو أن شيخ الإمام العلامة المبرد هو المازني، وقد قرأ على المازني سيبويه، وهذه القراءة تَلْمذَة، وكتاب سيبويه -كما يقول الشيخ عبد الخالق عضيمة رحمه الله-: كالدوحة الباسقة، وجميع المؤلفات غصون حولها وفروع، فما من أستاذ في النحو إلا وسيبويه أستاذه، أدرك ذلك الزمان فَتَلْمَذَ له حقيقة ورآه عينًا، وتحسسه دمًا وسمعه صوتًا، أو لم يدركه بأن حِيل بينه وبينه بأزمان لكنه اطلع على كتابه وأفاد منه، فهو شيخه بالقوة، وإن لم يكن شيخه بالمجلس.
من شيوخ المبرد: المازني، والرياشي، والزيادي، ومن شيوخه كذلك الجاحظ -لزمه وقرأ عليه.
ومن تلامذته: الزجاج، وله قصة طريفة مذكورة في إعراب القرآن ومعانيه، حيث إنه كان يعمل زجاجًا وهو الشيخ إبراهيم، وأراد أن يتعلم على يد المبرد، وقد ذكرتْ كتب التراجم أن المبرد لم يكن يعلمه مجانًا، وعده بعضهم في البخلاء، واتفق على أن يعطيه كل يوم درهمًا على أن يظل ذلك مدة حياة أحدهم -أي: لا ينقطع- والقصة في ذلك طويلة، ولكن الشاهد فيها أن الزجاج من تلاميذ المبرِّد أو المبرَّد، والمشهور هو المبرِّد.
ومن تلاميذه كذلك: الأخفش، وأبو بكر بن السراج صاحب (الأصول) وأبو بكر بن أبي الأزهر، وابن كيسان، وأبو الحسين بن عبد الله بن عبد الله، وأبو الحسين بن عبد الله بن سفيان النحوي -على الجميع رحمة الله تعالى.
ولنا أن نقف حول هذا العنوان الواضح المبين من (المقتضب) للمبرد -عليه رحمة الله- وهو عنوان: "التبيين والتمييز" ولعلنا نقف عند هذا العنوان من ناحيتين:
الناحية الأولى: أنه واضح، وربما قال قائل من هذه الناحية: إنه أوضح من عناوين سيبويه، والجواب: لا تتسرع، فعند سيبويه ما هو واضح، وما هو مختصر، وما هو مبهم وطويل، وكذلك عند المبرد لو تتبعت كتابَه، فكِلا الرجلين يأتي بالعُنوان في كلمة حينًا، وفي مجموعة كلمات أحيانًا أخرى.
وأما الناحية الثانية: فهي ناحية تكشف لك الطريق إذا أردت أن تطلع على باب التمييز في النحو، ستجد من العلماء من يذكر خلافًا بين النحاة فيقول: وهو معروف بالتمييز عند قوم وبالتبيين عند قوم آخرين وليت شعري، ما الفرق بين التبيين والتمييز؟ وقد ذكرهما المبرد، وكأنه يقول لمن جاءوا بعده وأثاروا مسائل خلافية كثيرة: اعلموا أن التبيين هو التمييز، فلا داعي إلى أن تقولوا: إنه تمييز عند قوم، وتبيين عند قوم آخرين.
يقول محمد بن يزيد -عليه رحمة الله-: اعلم -وأنا أزيدك فأقول: اعلم يرحمني الله وإياك على الاعتراض الميسر-: أن التمييز يعمل فيه الفعل وما يشبهه في تقديره، ومعناه في الانتصاب واحدٌ وإن اختلف العامل فيه، أو إن اختلفت عوامله، السطر الأول سطر مهم في النحو العربي؛ لأن النحو العربي -كما نعلم- يقوم على نظرية يسميها كثير من الباحثين نظرية العامل، أي: أن النحو العربي يقوم على أساس العامل التمييز والتبيين يكون اسمًا منصوبًا وقد يجر -وسوف نرى ذلك بالتفصيل- وهذا الذي يكون منصوبًا ما الذي عمل فيه النصب؟ الجواب: الفعل، وما يشبهه، أي: وما يشبه الفعل المصدر: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعل التفضيل، أنت ترى أن ذلك من عبارات المبرد الواضحة من أول الأمر.
¥