تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عقليا، فلقد كان من الطبيعي أن تؤسس تواعد التفكير في علم الكلام البحثَ والنقاش في العلوم العربية الإسلامية الأخرى وفي مقدمتها النحو. ومن جملة تلك القواعد مجموعة من المبادئ تؤسس، معرفيا، ما يسمى في النحو بـ "نظرية العامل".

من هذه المبادئ مبدأ يصوغه النحاة هكذا: "لكل فعل فاعل"، وهو صياغة نحوية لمبدأ من مبادئ المتكلمين يعبرون عنه بقولهم: "لكل حادث محدِث"، وهي القضية العامة التي يوظفونها في برهنتهم على حدوث العالم. ومن ذلك أيضا قول النحاة: "لا يكون للفعل إلا فاعل واحد"، وهذا أيضا صيغة لمبدأ المتكلمين القائل: "لا يمكن أن يكون العالم من صنع الهين، لأنه لو كان هناك أكثر من إله واحد لحصل التنازع بينهما"، ومن هنا "باب التنازع" في النحو. أما المبدأ النحوي القائل "لا يجوز التقاء ساكنين" فهذا امتداد لمبدأ المتكلمين القائل: "العرض لا يبقى زمانين". ذلك لأنه بما أن الحركة عندهم عرض والسكون عرض، فإنه لا يمكن أن يبقى السكون ولا الحركة أكثر من "آن" واحد. و"الآن"، أو "الوقت" عندهم هو أصغر جزء من الزمان لا يقبل القسمة إلى ما دونه فهو جوهر فرد. وإذن، "لا يجوز التقاء ساكنين" لأن بعد كل سكون حركة وبعد كل حركة سكون، بل سكون الشيء عندهم هو بقاؤه متحركا في مكانه، كما أن الحركة هي مجموعة من السكنات والحركات. لقد نقل النحاة هذا التصور للحركة والسكون إلى النحو مثقلا بمضامين بعيدة عن النحو، مضامين كلامية ميتافيزيقية. ومثل ذلك فعلوا في "العلة" و"القياس" ... حتى جاءت العلل النحوية من جنس علل المتكلمين، كما لاحظ القدماء ذلك.

هكذا اتخذ النحو العربي صورة "منطق اللغة" بدل أن يكون مجرد قواعد لها. وهذا الفهم المنطقي للنحو كان النحاة يعونه ويكرسونه، وذلك ما أكده السيرافي النحوي في مناظرته المشهورة مع متى المنطقي حينما قال "والنحو منطق، ولكنه مسلوخ من العربية. والمنطق نحو، ولكنه مفهوم باللغة"، مؤكدا خلط النحاة بين قواعد اللغة وقواعد التفكير، تماما كما كان المتكلمون يفعلون.

لنختم إذن بالقول إن تبسيط النحو العربي أو تجديده، وبعبارة أفضل إعادة تدوينه، يجب أن تنطلق من التحرر من الأسس غير اللغوية التي كان يصدر عنها النحاة القدماء والتي كانت تنتمي إلى علم غير علمهم ... إنه نوع آخر من "المستعمل" الذي يجب أن يهمل.

أخوكم: مغربي

ـ[علي المعشي]ــــــــ[25 - 07 - 2006, 04:36 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحييك أخي مغربي، وأشكرك على إثارة هذا الموضوع الجدير بالاهتمام حقا ..

لو سألنا أنفسنا: هل كان النحاة الأوائل يخترعون القواعد، ويفرضونها على الناس؟ أو أنهم صاغوا تلك القواعد على أساس استقراء النصوص والشواهد الفصيحة؟

الإجابة أنهم اعتمدوا على أرقى الكلام ومن ذلك أصح كلام على الإطلاق وهو كلام الله، ثم الحديث النبوي، ثم جيد الشعر وبليغ النثر، وحددوا زمن الاستشهاد بفترة يتدنى فيها احتمال وقوع اللحن، وإن لم يكن مستبعدا تماما إلا أن ذلك التحديد لو امتد إلى ما بعد تلك الفترة لكان احتمال اللحن أكبر .. إذاً لقد بذل النحاة الأقدمون كل ما في وسعهم ليقدموا لنا قواعد لغتنا في أنقى صورة ممكنة .. فلنسأل الله لهم الرحمة والمغفرة وحسن الجزاء على ما بذلوه، وأفنوا أعمارهم في خدمة لغة القرآن ..

وإذا كان علم النحو يشتمل على تعليلات معقدة فإن هذه التعليلات ليست ملزمة لكل من أراد تعلم النحو، ومؤلفات النحو القديمة والحديثة شاهدة على ذلك فهي تتفاوت من حيث العمق والتفصيل وللدارس أن يختار منها ما يناسب حاجته، فالنحو الوظيفي هو أكثر ما يدرس حتى في الجامعات، وهو خلو من التعقيد إذ يقتصر على الحد الأدنى مما يستقيم به اللسان والقلم.

أما الباحثون وطلاب الدراسات العليا فعلى قدر الدرجة العلمية المطلوبة تكون درجة التعمق في هذا العلم ..

والسؤال الذي أطرحه هنا:

النحاة الأوائل لم يفرضوا علينا قواعد من لدن أنفسهم وإنما جمعوها من كلام العرب، فهل المطلوب اليوم أن تصاغ قواعد جديدة للنحو العربي ثم تفرض على الناس؟

أو أنه يجب أن تصاغ القواعد الجديدة وفقا للغة التي يتحدثها العرب اليوم؟ وهل هذه اللغة صحيحة صالحة للاستقراء؟

فقط سأضرب مثلا ببعض، أسماءالإشارة، و أدوات الاستفهام حيث أذكر اللفظ الأصيل ونظائره المعاصرة في مختلف الأقطار العربية:

الأداة الأصلية (هذا): في مصر (ده) في الأردن (هاض) في لبنان (هيدا) في اليمن (ذيَّه) إلخ

ماذا: في مصر (إيه)، في الخليج (وشهو)، في السودان (شنو)، في الشام (شو) إلخ

وعند تحديث النحو العربي .. أي الأقطار سنتخذ لغته أساسا للاستقراء؟ هل هناك ما يمكن الاعتماد عليه؟ أو الاتفاق عليه؟ أو الاطمئنان إليه من لغاتنا الحديثة؟

إذاً .. علينا أن نحثو التراب في وجه كل من أراد تهميش جهود علمائنا، والطعن في إخلاصهم لهذه اللغة .. وعلينا أن نختار من قواعد النحو ما يناسب كل مرحلة دراسية ونجتهد في تبسيط الصياغة قدر المستطاع، دون نسف جهود الأوائل بل نحافظ عليها لتبقى مرجعية لكل باحث ودارس متبحر في علوم اللغة ..

ولكم أعذب التحايا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير