تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَجْرٌ عَظِيْم ((16)، وكلهم متق ومحسن، ومنه قوله تعالى: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ ليَمَسنَّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ((17) فالمقول عنهم ذلك كلهم كفار" (18).

ونحن كلما حاولنا أن نفهم معنى في نص محتمل الدلالة وجدنا أنفسنا مضطرين إلى ما يسمى: انضمام القرينة التي تجعلنا نفهم معنىً قصدَه المتكلم أو صاحب الشرع وهذه القرينة قد تكون مصاحبة للنص أو خارجة عنه.

ونحن نتعامل مع هذه الحروف كمورفيمات حسب مصطلح المحدثين وما تتركه من أثر على معنى الكلام، ففي قوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ((19)، فهل تدخل الغاية في الحكم أم لا؟.

إن دخولها وعدَمه في الغاية لا بد أن يحدده ما يصحبها من قرينة، فإن الصيام في الآية لا يتناول الليل، وإنما يمتد حكم الصيام إلى الليل، إذ لو دخل لكان وصالاً منْهياً عنه بنصوص أخرى وهي قرائن موجهة لدلالتها على عدم دخولها في الغاية وقد تدل على الدخول في الغاية مثل قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ((20)، وجاءت لفظة المرافق مقيدة لكلمة اليد، وهي هنا من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، لأن مفهوم اليد قد يكون من رؤوس الأصابع إلى الإبط، وهذا مما كانت تفهمه العرب من اليد.

فتكون فائدة ذكر الغاية علي إسقاط ما وراء المرفق من حكم الغسل، فإلى المرافق غاية للترك لا للغسل، وإذا احتملت الحروف إحدى الدلالتين، بما يأتي به من أدلة، فقد تحتاج هي الأخرى إلى أدلة وبراهين، وهكذا إلى ما لا غاية له، ويضاف إلى ذلك أيضاً ظاهرة الإبدال في هذه المورفيمات، وكمثال على قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ((21)، زعم بعضهم أن الباء هنا للتبعيض، تقول العرب مسحت رأسي ومسحت برأسي، فلم يبق فرق إلا التبعيض، ليس كذلك بل يقول: (مسح) له مفعولان يتعدى لأحدهما بنفسه والآخر بالباء، ولم تخير العرب بين المفعولين في هذه الباء، بل عينتها لما هو آلة للمسح، فإذا قلت: مسحت يدي بالحائط فالرطوبة الممسوحة على يدك، وإذا قلت مسحت الحائط بيدي فالشيء المزال هو على الحائط ويدك هي الآلة المزيلة" (22).

والقاعدة الصارفة لما ذهب إليه الإمام القرافي آنفاً، هي أن الشارع الحكيم أمرنا أن ننقل رطوبة الأيدي للرأس وأعضاء الوضوء ولم يوجب علينا إزالة شيء عن رؤوسنا وأعضائنا، وعلى ذلك يكون الرأس آلة تزيل الرطوبة عن اليد لا العكس وعليه تكون للتعدية، لأنها لا تكون للتبعيض إلا حيث يتعدى الفعل بنفسه، وقدر بعضهم دلالة المورفيم (ب) على التبعيض ومنهم ابن العربي القاضي حيث قال: "إذا قلت حلقت رأسي، اقتضى في الإطلاق العرفي الجميع، وإذا قلت مسحت الجدار أو رأس اليتيم اقتضى البعض، لأن الجدار لا يمكن تعميمه بالمسح حساً، ولا غرض في استيعابه قصداً، ورأس اليتيم لأجله الرأفة، فيجزي منه أقله بحصول الغرض به، ونقول: مسحت الدابة فلا يجزي إلا جميعها لأجل مقصد النظافة فيها، وكذلك الرأس كله فتؤكده، ولو كان يقتضي البعض لما تأكد بالكل، فإن التأكد لرفع الاحتمال المتطرق إلى الظاهر في إطلاق اللفظ" (23).

وقال القرطبي (ت 671ه‍): "ومما يرد التبعيضية على الباء أن قوله "امسحوا" يقتضي ممسوحاً به، والممسوح الأول هو المكان، والممسوح الثاني هو الآلة بين المسح والممسوح كاليد، فجاءت الباء لتفيد ممسوحاً به، وهو الماء فكأنه قال: فامسحوا برؤوسكم الماء، من باب المقلوب، والعرب تستعمله (24)، فكل هذه السياقات عامة ومختلفة تنضم إلى النص لهدم دلالة ما وإقامة أخرى مقامها، وهذا يقتضي من الواقف أمام النص أن يكون ملماً بما لا يحصى من النصوص وكلام العرب لكي يفهم دلالة لفظة واحدة؟ لعل هذا هو الذي جعل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –يقول: لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة العربية.

ونفهم مما سبق أن هذه المورفيمات لا تدل إلا مع القرينة، فليس لها جهة من جهات المعنى لا مجازاً ولا حقيقة، وينطبق هذا مع اللفظ أيضاً فضلاً عنها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير