"فالجواب للسابق في الأصح قَسَماً كان أو شرطاً وجواب الآخر محذوف، نحو: والله إن قام زيد لأقومنّ وأن يقم والله أقمْ" وأردف: "وجوَّز الفراء وابن مالك جعل الجواب للشرط وإن تأخر، كقوله:
لئن كان ما حُدثته اليوم صادقاً * أصمْ نهار القيظ للشمس بادياً
قد يجزي الشرط بجواب القسم:
قد يتصدر الكلام شرط فلا يجاب بجزائه وإنما يجاب بجواب القسم. ومن ذلك قوله تعالى:) وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذاب أليم –المائدة /73 (. فجاء الجواب للقسم وليس في الآية قسم فذهب الأئمة إلى تقديره، وحذف جملة القسم كثير. قال العكبري في كتابه (البيان أعراب القرآن): "ليمسَّنَّ: جواب قسم محذوف سدّ مسدّ جواب الشرط الذي هو وان لم ينتهوا – 1/ 125". أي أن القسم مقدر في الآية لأن الجواب فيها لا يكون إلا لقسم. قال ابن هشام في كتابه (مغني اللبيب):) وكقوله تعالى: وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسَّنّ، فهذا لا يكون إلا جواباً للقسم –1/ 189 (.
وقال تعالى:) وان أطعتوهم إنكم لمشركون –الأنعام /121، فأجيب الشرط بجواب القسم. واختلف الأئمة في تأويله، فذهب جماعة إلى جعل الجواب للشرط على أضمار (الفاء) فقدّر (فإنكم لمشركون). قال العكبري في كتابه (البيان في أعراب القرآن): حذف الفاء في جواب الشرط وهو حسن إذا كان الشرط بلفظ الماضي، وهو هنا كذلك، وهو قوله: وان أطعتموهم –1/ 145". وكذلك فعل البيضاوي في تفسيره الموسوم بأنوار التنزيل: "وانما حَسُنَ حذف الفاء فيه لأن الشرط بلفظ الماضي".
وعندي أن هذا هو الرأي المرجوح. ذلك أن حذف الفاء من جواب الشرط مقصور على الشعر عند الأكثرين. قال الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان
أي: فالله يشكرها. وذهب أبو العباس المبرّد في كتابه الكامل إلى أنه لا يجوز ذلك حتى في الشعر وأن البيت المروي محرّف والأصل فيه (من يفعل الخير فالرحمن يشكره)، الجمهور النحاة على أن فاء الجزاء لا تسقط إلا في الشعر وللضرورة، كما جاء في كتاب (الضرائر 64) لمحمود شكري الآلوسي. قال ابن هشام في (مغني اللبيب –1/ 189) بصدد تأويل الآية السابقة) وان أطعتموهم انكم لمشركون –الأنعام –121): "وقول بعضهم ليس هنا قسم مقدّر وأن الجملة الأسمية جواب الشرط على اضمار الفاء كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها، مردود لأن ذلك خاص بالشعر .. ". وقد جاء في (شرح شواهد المغني –1/ 178) للإمام جلال الدين السيوطي: "من يفعل الحسنات الله يشكرها –هو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، رضي الله عنه، وقيل لكعب بن مالك وتمامه: والشر بالشر عند الله مثلان .. وقوله: الله يشكرها جملة اسمية وقعت جواب الشرط وحذفت منها الفاء ضرورة، وزعم المبرّد أن الرواية من يفعل الخير فالرحمن يشكره".
خلاصة القول في جواب الشرط والقسم:
يمكن إيجاز القول في هذه المسألة بالشرح التالي:
1ً-إذا تصدر الكلام ما يطلب الخبر كالمبتدأ واسم كان ونحوه، واجتمع بعده شرط وقسم كان الجواب للشرط جميعاً، كقولك (خالد والله يُطعني أكرمْه) بالجزم و (ان ولدي ان يسيء إليّ والله أعفُ عنه) بالجزم أيضاً.
2ً-إذا اجتمع الشرط والقسم ولم يتقدمهما ما يطلب الخبر كان الجواب السابق منهما، شرطاً كان أو قسما، واستغني عن جواب الآخر، كقولك (ان يزرني والله خالد أكرمْه) بالجزم لأن الجواب للشرط فهو المتقدم، وقولك (والله أن يزرني خالد لأكرمنه) بنون مشددة بعد لام الجواب، لأن الجواب للقسم، وهو السابق. وجواب المتأخر محذوف.
3ً-قد يأتي ما يتقدم فيه القسم ويكون الجواب فيه للشرط، خلافاً للقياس.
وقد جاء هذا في النثر نثر البلغاء وفي الشعر شعر الفحول مجيئاً متعالماً يؤذن بجوازه. قال الشاعر:
لئن كان ما حُدثته اليوم صادقاً أصمْ في نهار القيظ للشمس بادياً
فجاء الجواب (أصمْ) للشرط مع تقدم القسم عليه. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، "لئن كان الذي تقول حقاً فإنه أريب"، فجاء الجواب للشرط أيضاً مع تقدم القسم. وإذا كان في هذا الصحيح للشرط على القسم فذلك لأن تعليق المعنى على الشرط في الأصل، وإنما يساق القسم للتأكيد.
¥