الصلاح والمصنف هنا وفي سائر كتبه لما ذكر سوى هذا الشرط وهو كونه في الفضائل ونحوها، وذكر شيخ الإسلام له ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه؛ نقل العلائي الاتفاق عليه.
الثاني: أن يندرج تحت أصل معمول به.
الثالث: ألا يُعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط، وقال: هذان ذكرهما ابن عبد السلام، وابن دقيق العيد [7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7)".
فإن كان الضعف شديداً، أوكان الحديث موضوعاً؛ فلا يجوز العمل به مطلقاً؛ لا في أحكام شرعية، ولا في فضائل الأعمال، ولا تحل روايته إلا على سبيل القدح، والتنفير منه، وذلك لأنه من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري برقم (1229)؛ ومسلم برقم (4)، وعنه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حدَّث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) [8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)، وقد شنع الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه على رواة الأحاديث الضعيفة فقال: "اعلم وفقك الله تعالى أنه يجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الرواية وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن ينفي منها ما كان عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية، وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وقوله سبحانه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فدلَّ بما ذكرنا من هذه الآية أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول" صحيح مسلم (1/ 7)، وقد أطال الإمام مسلم في التشنيع على رواة الأحاديث الضعيفة والمنكرة في مقدمة صحيحه، فمن أراد ذلك فليرجع إليه.
وعلى المؤمن الصادق أن يتحرى صحة الحديث وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني من مصادر تلقي الإسلام، والحديث شارح لكتاب الله تبارك وتعالى، فيجب أن يُستدل بما ثبت عنه سواء كان في فضائل الأعمال أو غيرها، والفضائل كالأحكام من دعائم الدين، وهي من الأحكام الخمسة المعروفة في أصول الفقه، ولأن البدع والخرافات وغيرها لم يأت غالبها إلا عن طريق الأحاديث الواهية، أو الموضوعة، أو الضعيفة، ولو أن إنساناً تتبع ذلك لوجد أن كل مبتدع ضال يستند في بدعته إلى حديث موضوع، أو ضعيف، أو لحكاية عن بعض الناس، أو رؤى مناميه في أغلب أحواله.
والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم، ونسأله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا نقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1) التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح (144) للإمام الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، ط1، 1389هـ - 1970م.
[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 32) للإمام عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.
[3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref3) النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/ 94) للإمام بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن بهادر، تحقيق د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، أضواء السلف - الرياض، ط1 1419هـ - 1998م.
[4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref4) إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 31) للإمام محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل - بيروت، 1973م.
[5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref5) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 32).
[6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref6) الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 130 - 180) للإمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الطاهري أبو محمد، مكتبة الخانجي - القاهرة.
[7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref7) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 298).
[8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref8) رواه الترمذي برقم (2662)؛ وابن ماجة برقم (41)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (36)، و (37)؛ و (39).
ـ[أبو المعالي القنيطري]ــــــــ[11 - 04 - 10, 07:24 ص]ـ
بارك الله فيك ورضي عنك