هَديةُ لأهل ملتقى الحديث (المدخل إلى فهم علم العلل) للشيخ حاتم العوني.
ـ[أبو همام السعدي]ــــــــ[04 - 04 - 10, 03:54 م]ـ
المدخل إلى فهم علم العلل
اخْتَصَرَهُ وفَرَّغَهُ وهَذَّبَهُ
وزَادَ عَلَيْهِ
أَبُو هَمَّامٍ السًّعْدِيُّ
1431هـ
.. يسألكم (بالله) صاحبُ هذا التفريغ أن تدعوا له بالتوفيق في طلب العلم ...
(المَدخَلُ إلى فَهْمِ عِلْمُ العِلَلِ)
الحمدُ لله ربّ العالمين , والصلاة والسلام على سيّد المرسلين , وعلى آله وصحبه الناقلين , والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين , وبعد:
فقد تفضًّل الشيخ "حاتم بن الشريف العوني" المدرّس بمكة المكرمة بعقد دورةٍ على دروسٍ مطوّلةٍ بالكلام على علم مفقود مهجور, وهو علم (العلل) فأجاد الشيخ بتبيين أهميته ونشأته ورجاله وكتبه وقرائنه وغير ذلك, فرأيت أن أختصر كلامَه من تلكمُ الدروس بما يوصل على طريقة سهلةٍ ميسّرةٍ علَّها تكون مدخلا للتعرّف على هذا العلمِ الجليل, ولقد أزدتُ على ذلك تنقيحاً وتفريغاً وتنسيقاً ودرراً, واللهَ أسألُ أن يزيدَ في فضلِه وأن يرزقَنا العملَ بكتابِه وسنَّةِ رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
(مُقدَِّمةٌ)
علمُ العلل علمٌ صعب ودقيق, لا يسهل تناوله بدروس وأحقاب من الزمن, وذلك لجمودة المادة, ولعدم وجود ضوابط وقواعد تعين على فهمه إلا يسيرا, ولا يمكنُ فهم هذا العلم إلاَّ بالممارسةِ, فلا يؤخذ بالكلام النظري وحده, ولكن لا استغنَاء عَنه, لأنه المدخل الأساسيُّ إلى التطبيقِِ العمليِّ, لذا .. سنعطي مدخلاً لهذا العلم بأسلوبٍ عصريّ مناسب.
(أَهَمِيَّةُ عِلْمِ العِلَلْ)
(1) أنَّه من وسائل نقد المرويات عن النبيّ, وتمييز صحيحها من سقيمها, وذلك لمكانةِ السنّة النبويّة, ولأنَّه المصدر الثاني من مصادر التشريع, فزاد لذلك جلالةً وعظمةً وأهميةً كبرى.
(2) أنَّّه أغمرُ عُلومِ الحديثِ وأعظمِها وأدقِها وأعمقِها, بإجماع أئمة الحديث من المتقدمين والمتأخرين. قال ابن مهدي (198هـ): كتابةُ الحديث عند الجهَّال كهَانة. وقال: لأن أعرف علة حديث واحد أحب إليّ من أسمع 20 حديثاً لم أسمعه. وذلك لأنَّه قائمٌ على النقدِ الخفيّ, بل هو خلاصةُ ونهايةُ علوم الحديث بأكملِها, من قواعدَ وضوابطَ وشروطَ وأنوع (المدلّس, المدرج, المرسل, الجرح والتعديل النظري والتطبيقي) وغيرها.
(3) أنَّّه لا يحقّ لأحدٍ الخوضَ فيه, بل لا يجرأ إلا قليلُ عقلٍ أنْ يتكلمَ فيه, ما لم يكن من أهلِ الاختصاصِ الكاملِ فيه. ولهذا لم يخض فيه من العلماء السَّابقين إلا القلال, فتجد آلاف الرجال من الثقاتِ والحفَّاظِ, ولكن مع قلّةٍ فيهم. وسأل أبن أبي حاتم الرازي (324هـ) أباه أبو حاتم الرازي (277هـ) من أئمة هذا الشأن؟ فذكر له أحمد بن حنبل (241هـ) ويحيى بن معين (233هـ) وأبو زرعة الرازي (264هـ) وعليّ بن المديني (234هـ) والبخاري (256هـ) وغيرهم. ثم سأله بعد وفاة أبي زرعة –وهو آخرهم وفاةً- فقال: والله لا أعرف أحدا من البلدانِ يعرف شيئا في هذا الشأن. فسأله عن محمد بن مسلم بن وارة؟ فقال: عنده طرفٌ منه. فهذا في زمنه, فما تقول في زمنِ من بعده؟
(4) أنَّه أي علم –العلل- هو العلمُ الوحيدُ الذي أوصلَ علماءَ الحديثِ إلى القطعِ بصحَّة الحديثِ وضعفِه, فلا يمكن لهم ولا لغيرهم أن يصِلوا إلى درجةِ اليقين بغير الاعتماد عليه. فلا يمكن الوصول إلى القطع به بمعرفة وجود شروط الحديث الصحيح, لأن الخطأ والوهم واقع من جميع الطبقات (حفَّاظاً, ورُواةً, ونقَّاداً).
فالحديثُ الموضوعُ لا يُكتفى في الحكم بوضعه بمجرّد النظرِ على السند والحكم عليه! , بل يتم بـ "القرائن" التي تعينُ وتوصلُ للحكم عليه, وقد تكون خفيَّة وقد تكون ظاهرةً, كحديث "قُدس العدس على سبعين نبيّا" وحديث ابن عباس في "الإسراء والمعراج" وهو مليء بالوضعِ والنقدِ, فمن تكلّم بالحديث دون معرفةٍ بعلم العلل فاضربْ بكلامه عرضَ الحائطِ بلا تردّد.
¥