تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من المعلوم أن أهل الحديث يطلقون الإرسال ويريدون به المعنى الخاص، ويطلقونه أيضاً لإرادة المعنى العام، الذي هو الانقطاع، غير أن إرادة المعنى الخاص لا تنافي إرادة المعنى العام أيضاً، لأن إرسال التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم نوع انقطاع، وعليه لا يكون ثمة بين أهل العلم من المحدثين في مسمى الإرسال خلاف، ويكون المراد من إطلاقه عندهم الانقطاع، أياً كان موضعه، وإنما يكون إطلاقه على المعنى المشهور أكثر في الاستعمال فقط، قال الخطيب البغدادي: "وأما المرسل فهو ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم" [1].

والمتتبع لصنيع أهل الحديث يجدهم يطلقون الإرسال فيقولون هذا مرسل، وأرسله فلان، ويعنون بذلك الانقطاع. ومثل ذلك كثير جداً في صنيعهم لا يمكن إنكاره، فلا يكاد يوجد إمام من أئمة الصنعة إلا ويطلق الإرسال على الانقطاع أياً كان موضعه.

وتتبع صنيعهم لمعرفة مثل ذلك لا أظنه يعسر على المتخصصين، ومن أيسر الأمثلة وأقربها، كتب المراسيل والعلل والتواريخ، كالمراسيل لأبي داود، وابن أبي حاتم، والعلل لأحمد وابن المديني والدارقطني، والتاريخ الكبير للبخاري وغير ذلك، فإن فيها إطلاق المرسل على المنقطع.

ومن أئمة هذا الشأن الذين أثر عنهم إطلاق المرسل على المنقطع، أحمد بن حنبل [2]، ويحيى بن معين [3]، وعلي بن المديني [4]، والبخاري [5]، وأبو زرعة الرازي [6]، وأبو حاتم الرازي [7]، وأبو داود [8]، والترمذي [9]، والنسائي [10]، وأبو بكر البزار [11]، وابن خزيمة [12]، وغيرهم كثير جداً يعسر في الحقيقة استقصاؤهم لكثرتهم.

وأول من صرح بقصر إطلاق الإرسال على المعنى الخاص هو الحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث [13]، إلا أنه مع ذلك في المستدرك يطلقه على المعنى العام، فقد قال في حديث من رواية الحسن: "مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص" [14]، وقال في حديث من رواية مجاهد: "هذا إسناد صحيح مرسل فإن مجاهدا لم يسمع من علي" [15]، وقال في حديث آخر: "هذا حديث مرسل، فإن بين عمارة بن غزية وبين أبي أيوب ومعاوية مفازة" [16].

الصور الداخلة في مسمى الإرسال

تقدم أن معرفة صور الانقطاع في الإسناد بين الرواة تتوقف على معرفة وجود المعاصرة واللقاء أو السماع، من عدم ذلك، وأن معرفة كون الانقطاع ظاهراً أو خفياً تتوقف على قوة المعرفة بهذين الأمرين، فكلما قويت المعرفة بثبوتهما كلما اشتد خفاء الانقطاع، والعكس بالعكس.

ومن خلال ما تقدم نقله عن أهل العلم من النقاد في مسمى الإرسال، وأنه الانقطاع من أي موضع كان، يمكن الجزم بأن جميع صور الانقطاع داخلة في مسمى الإرسال، سواء في ذلك ما كان الانقطاع فيها خفياً، وما كان الانقطاع فيها ظاهراًً، فكل انقطاع في الإسناد يسمى إرسالاً، إلا أن بعضه إرسالٌ جلي ظاهر، وبعضه إرسال خفي.

وذلك بحسب وجود المعاصرة واللقاء وعدم وجودهما، فما كان الانقطاع فيه مع نفي المعاصرة أو شهرة نفي اللقاء فهو إرسال جلي، وما كان الانقطاع فيه مع وجود المعاصرة أو عدم ثبوتها فهو إرسال خفي.

الأدلة على دخول صور الانقطاع كلها في مسمى الإرسال

تقدم أن إطلاق الأئمة الإرسال بمعنى الانقطاع يقتضي دخول جميع صور الانقطاع في مسمى الإرسال، لأنهم لم يقيدوا الإرسال بصور معينة، وكلام الخطيب في تعريف الإرسال يدل على ذلك، ومما يؤيد دخول جميع صور الانقطاع في مسمى الإرسال ما يلي:

أن الأئمة يدخلون في مسمى الإرسال رواية المعاصر الملاقي، كما يطلقون الإرسال على رواية المعاصر غير الملاقي، ومثل ذلك دليل على دخول رواية غير المعاصر في مسمى الإرسال من باب الأولى، فإذا كان الأئمة يطلقون على رواية المعاصر الملاقي ورواية المعاصر غير الملاقي اسم الإرسال، مع إطلاقهم على الصورة الأولى اسم التدليس بالاتفاق، وعلى الثانية عند الأكثر، فإن إطلاق اسم الإرسال على غيرهما من الصور يكون من باب الأولى.

ومن الأدلة الواضحة على دخول تينك الصورتين في مسمى الإرسال ما يلي؛

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير